الرئيس يوقع قرار تحدي الغطرسة والتهديدات الإسرائيلية- د. تحسين الاسطل *
تحدى الرئيس محمود عباس متسلحا بالإجماع الوطني والشعبي الغطرسة والتهديدات الإسرائيلية التي وصلت لحد الوقاحة التي لا يمكن القبول بها، وبدأت تهدد بشكل واضح المنطقة وعملية السلام بشكل خطير للغاية، أمام خضوع الولايات المتحدة للحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ولم تستطع ان تحمي وتحفظ خيار السلام أمام أفكارها التوسعية والاستيطانية التي تريد سلاما على مقياسها الخاص.
اعتقد ساسة الاحتلال أن الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية في حالة ضعف نتيجة الانقسام الداخلي، بالإضافة إلى انشغال العالم بالمتغيرات في المنطقة والأزمة في أوكرانيا وان الرئيس لن يقدم على خطوة الانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة أمام هذه المتغيرات، وزادت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بتهديد مباشر الرئيس عباس، معتقدة بسبب بعض المشعوذات من هنا وهناك أن الرئيس أمام كل هذه الضغوطات سيأتي مستسلما لغطرسة وتهديدات "بنيت " ومن على شاكلته، خاصة ان التهديدات الإسرائيلية ترافقت مع ضغوط اميركية غير مسبوقة على الرئيس للقبول باستئناف المفاوضات والقبول بالعروض الإسرائيلية التي لا تلبي الحد "صفر" من الطموحات الفلسطينية، وبعد تسعة شهور لم يجد الفلسطينيون أي إنجاز للمفاوضات.
دولة الاحتلال حاولت من خلال رئيسها خداع العالم والشعب الفلسطيني من خلال الإعلان أن الأيام القليلة ستشهد تقدما بارزا في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وستصل إلى نتائج ايجابية بين الجانبين، فيما تحقق للفلسطينيين والعالم اجمع أن المفاوضات حققت نتيجتين لا ثالث لهما، اولهما : التأكد من الغطرسة والتوسع التي تتحكم في الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي لا تؤمن بالسلام وتريد ان تواصل فرض سيطرتها بالقوة على أحلام الشعب الفلسطيني وتطلعاته في الحرية والاستقلال، وثاني هذه النتائج : الوصول إلى لحظة العجز الاميركية التي لا تستطيع ان تمارس أي ضغوطات على الحكومة الإسرائيلية، وتريد أن تضغط على الرئيس عباس والشعب الفلسطيني للتنازل عن حقوقه، والمس بالمواثيق والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
اليوم الرئيس محمود عباس كان كما توقع كل أبناء شعبنا المؤمنين بعادلة القضية التي يناضلون من اجلها، وقلب الطاولة في وجه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي هددت باعتقاله والقيادة الفلسطينية ان توجه إلى الأمم المتحدة، وهي بهذه التهديدات حاولت اختبار قوة الشعب الفلسطيني والرئيس عباس وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال التراجع عن الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى من جانب ،ومحاولة يائسة لإظهار أن الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية ضعيفة أمام شعبها.
بالأمس وقع الرئيس محمود عباس ومعه كل فصائل العمل الوطني على قرار قبول تحدي الاحتلال وغطرسته، لان التهديدات الإسرائيلية لم تكن تستهدف الرئيس وحده بل كل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وحقوقه، وبالأمس بدأت معركة حقيقية ستأخذ أشكالا عدة، وإذا لم يستطع المجتمع الدولي أن يلجم الغطرسة والتهديدات الإسرائيلية لشعبنا وقيادته، فإن المنطقة ذاهبة حتما لموجة جديدة من العنف، وعلى الأسرة الدولية أن تعرف أن السلام العادل والشامل إن لم يتحقق في عهد الرئيس عباس، فربما لن تجد من يجلس مجددا من اجل السلام، إن لم يحدث تغييرا حقيقيا في العقلية الإسرائيلية المتطرفة التي تحكم دولة الاحتلال.
فالرئيس عباس أعطى الفرصة الكاملة لتحقيق السلام، وعمل من اجل السلام العادل والشامل على أساس الشرعية الدولية والثوابت الفلسطينية بكل ما أوتي من قوة، واستطاع أن يقنع اغلب فصائل الشعب الفلسطيني بخيار السلام الذي يلبي الحقوق الفلسطينية المشروعة، إلا أن استمرار الغطرسة الإسرائيلية، والبقاء في حالة النفق المظلم من المفاوضات الذي ليس له أخر، بالتأكيد ستدفع أبناء شعبنا إلى التفكير في خيارات أخرى أمام عجز الأسرة الدولية والمجتمع الدولي في كبح جنوح الحكومة الإسرائيلية نحو التطرف والغطرسة وتمسكها في التوسع الاستيطاني وتهويد القدس.
على الصعيد الداخلي وإنهاء الانقسام خطى الرئيس عباس خطوة جبارة نحو تحقيق الوحدة الفلسطينية في ظل المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية برمتها، وتجاوز عن الكثير من اجل الوحدة وإنهاء الانقسام لنقف جمعيا في مواجهة الغطرسة والتهديدات الإسرائيلية التي لا تستثني أحدا من فصائل العمل الوطني والإسلامي، ووضع حركة حماس أمام مسؤولياتها لتحقيق الوطنية، وإنهاء الصفحة المظلمة من تاريخ شعبنا، وإرسال اللجنة العليا إلى غزة تعتبر خطوة متقدمة يجب على الكل الوطني والإسلامي ان يتعامل معها بجدية ،فأمام التهديدات والمتغيرات في المنطقة أصبح تحقيق المصالحة الوطنية خيار فوري وواجب للخروج من النفق المظلم الذي يعاني منه الجميع.
المستهدف اليوم فلسطين بقدسها وترابها ومقدساتها وحقوق شعبها التي قدمت خيرة أبنائها وقادتها من اجلها، وبالتالي يجب أن تسقط كل الخيارات والمصالح الحزبية الضيقة، أو يسقط أصحابها إن لزم الأمر فليس أمامنا متسع من الوقت، وسيعلن التاريخ من يحبط خيارات شعبنا نحو الوحدة.
والله من وراء القصد
* نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين