الوزير العـظيم ... ولنستمر في الهجـوم- أ . سامي ابو طير
مهما مضت الأيام و تعاقبت السنين فإنه خالدٌ في العـقول ولا زال يتربع على القلوب لأنه فخر فلسطين وابنها البار الذي سطّر بدمائه الطاهرة أروع آيات النضال والتحدي والصمود والملحمة على طريق الحرية والاستقلال ،وهو فخرٌ وشموخٌ واعتزاز لجميع أحرار العالم الذين يعشقون الأوطان ويقدمون ارواحهم قرباناً وفداءً لها من أجل الحرية وطرد الغاصب المحتل.
ذاك هو الوزير العظيم والقائد الكبير ابو جهاد خليل الوزير أحد أعظم القادة الأفذاذ لفلسطين و حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ،وسيبقى يذكره التاريخ على مر الأزمان والأجيال بذكرى عطرة تفوح منها العظمة والبطولة والانتصار والتضحية ،ويكفي ابو جهاد فخراً ذاك التاريخ المُعطر والحافل بالنضال والانتصار على درب الحرية لأنه تاريخاً مكتوب بماء الذهب و مخضبٌ بالدماء الطاهرة وتتغنى بسيرته الأجيال جيلا بعد جيل.
الوزير ابو جهاد هو العبقرية والنبوغ والتحدي بكل ما تحمله وتعنيه تلك الكلمات من مفردات اللغة ، لأنه أسطورة نضالية حقيقية لا تعرف اليأس والمستحيل نهائياً ،لأنه كان عاشقاً لفلسطين ولأجلها كرّس جُل حياته وخطط وحارب وقاتل حتى ينتصر أو يُزف للعلياء شهيداً ، وسلوا صهيون تُخبركم عن فِعاله التي فعلَ وسلوا الأطيار كم تغنت بصوته حتى اشتاقت الثرى لتحتضن جسده الطاهر ،فـطــوبا لك يا حبيبي جنة الفردوس وهنيئاً لك الحب و الرضا يا أمـير الشـهداء .
ابو جهاد هو قائد و مُفكر عسكري من طرازٍ فريد من نوعه أذل بني صهيون وكسر غطرستهم المُتجبرة، وما عملياته العسكرية المتعددة والمتنوعة التي خطط لها ونفذها أبطالنا الميامين من حركتنا الغراء فتح إلا دليلاً قاطعا على عـظمة وعبقرية هذا القائد ذو العنفوان الثوري والفريد من نوعه ، ولقد أذهلت عملياته العسكرية آنذاك وحيرت وشلت القدرة الصهيونية، وكان لها أثر بالغ في تأجيج نار الثورة الفلسطينية وكان قائدنا أول الرصاص وأول الحجارة وهو أمير الشهداء.
الوزير الكبير أعاد الثورة من الخارج بعد الخروج من بيروت الصمود إلى داخل الوطن بعكس ما تمناه العدو الإسرائيلي آنذاك لتصبح ثورة شعب فـلـسـطـين بكل فئاته وعلى أرضه ، وكانت الانتفاضة المُباركة وهي انتفاضة الحجارة الذي كان ابو جهاد يُعتبر مُهندسها الأول.
تلك هي عقلية القائد العظيم ابو جهاد وزيرنا المحبوب الذي كان يؤمن بالكفاح المسلح فكراً و نهجاً لتحرير فلسطين ، ولهذا كان عاشقا للسلاح وسلاحه أحبه وأعطاه أقصى ما يتمناه المرء على هذه الأرض وهي جنة الخلود في الفردوس الأعلى ، وحصل فارسنا و قائدنا العظيم على مُرادة عندما ارتقى إلى العلياء شهيدا شهيداً لتعانق روحه الطاهرة سماء فلسطين وترفرف في حياة الخلود الأبدي ، وكان استشهاده على يد الصهاينة (قاتلهم ولعنهم الله) في أرض تونس الشقيقة يوم 16 أبريل من عام 1988م، فهنيئاً لك يا أمير الشهداء الشهادة التي قاتلت من أجلها لتُعبد بدمائك الطاهرة أروع آيات البطولة نحو الحرية والاستقلال.
لنستمر في الهجوم ،ولتكن رؤوسنا في السماء وأقدامنا مغروسة في تراب الوطن ،ولا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة ... انظروا أعزائي الكرام لتلك الكلمات ومقولات أمير الشهداء ابو جهاد الوزير ... وستعرفون مدى عظمة و قوة هذا القائد الفذ !
الجميع أنذاك يعلم بعد خروجنا من بيروت الصمود والتضحية بأن اليأس والخمول دب وانتشر بين الكثير من شعبنا الفلسطيني ، لأن قواتنا أصبحت بعيدة عن حدود الوطن فلسطين الحبيبة ( وهذا ما أرادة أنذاك العدو الاسرائيلي حتى لا نقوم بعمليات عسكرية ضدة و لا تشكل قواتنا خطرا عليه ويبتعد الصراع عن فلسطين) ، ولكن...
لكن لأنه ابو جهاد الذي لا يعرف المستحيل ولم تضعف عزيمته يوما ولأنه لا توجد في قاموس أفكاره كلمة اليأس والاحباط والفشل ، و لأنه النبوغ والعبقرية فقد اخترع الحل البطولي على درب الحرية والتحرير وهو إعادة الصراع إلى داخل فلسطين ،وهذا الحل أصاب الصهاينة و إسرائيل وجيشها في مقتل وكانت انتفاضة الحجارة المباركة .
من هنا أشعل ابو جهاد الوزير العظيم (وإخوانه الأبطال بزعامة شقيقة الأكبر ياسر عرفات رحمهم الله جميعاً) الأرض نارا وغضباً تحت أقدام الغاصب المحتل وتأججت انتفاضة الحجارة كما رسم وخطط لها ابو جهاد ، وكان من ثمار تلك الانتفاضة المجيدة عودة أبطال فلسطين رفاق درب الوزير العظيم إلى أرض الوطن فلسطين الحبيبة بقيادة الأسطورة ياسر عرفات .
قرار الصهاينة اغتيال البطل والقائد العظيم كان بنظرهم من أجل إخماد الانتفاضة من ناحية ،و من جهة أخرى لأن ابو جهاد أضاق الصهاينة المُـر بطعمِ الحنظلِ بعملياته الجريئة البطولية والاستشهادية التي نفذها مغاوير وأبطال حركتنا الغراء فتح ، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عملية الشهيدة دلال المغربي (في قلب الصهاينة في تل أبيب) وغير ذلك من العمليات التي خطط لها وأوجعت الصهاينة و أدمتهم في قلوبهم ... ولهذا كان قرار الاغتيال ولكن خابوا وخسئوا و رُد كيدهم إلى نحرهم ...
رُد كيدهم إلى نحرهم لأن ابو جهاد زرع الأرض الفلسطينية بالأبطال وسقاها دماء الحرية والنصر على الأعداء فأنجبت الأرض أبطالا وفرسانا و أشبالا هم أسـود الوغى وساحات الحرب ، واشتعلت النيران الحارقة الغاضبة تحت أقدام اليهود ردا على اغتيال ابو جهاد الحبيب عندما خرجت جموع الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيها وأشعلتها نارا وثورة على المحتل الغاصب كما أراد لها الوزير أن تكون ، وكانت روح ابو جهاد الطاهرة هي وقود وعزيمة الأبطال الذين تحـدوا بصدورهم العارية وحجارتهم المباركة دبابة بني صهيون وجيشهم الغاصب، و كان النصر حتماً لأحفاد الوزير ابو جهاد و أخيه ياسر عرفات رضوان الله عليهم و رحمته و بركاته .
لنستمر في الهجوم ... تلك مقولة قائدنا العظيم و الكبير ،وفي ذكراه المُعـطرة بالفخر والاعتزاز أتوجه اليوم إلى رِفاق درب ابو جهاد وأخيه ياسر عرفات و أتوجه إلى قيادتنا السياسية ممثلةً بالرئيس محمود عباس ابو مازن حفضه الله بأن يستمر في مواصلة الهجوم على بني صهيون لتحرير قدس الأقداس من دنس الغاصب المحتل.
وما الخطوة و النصر الذي حصلنا عليه بانتزاع دولة غير عضو في المحافل الدولية من براثن العدو والخطوة الأخيرة بالانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة الـ 15 قبل أيام معدودة إلا تأكيدا بأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ثم الهجوم لإعادة حقوقنا كاملة من العـدو الاسرائيلي .
لنستمر في الهجوم استكمالا لروح ابو جهاد و فِكره الثاقب، ولهذا يجب أن نستمر و نحاصر العدو الاسرائيلي من خلال المقاومة الشعبية الباسلة جنبا إلى جنب مع المعركة الدولية القانونية باستكمال الانضمام للمؤسسات الأممية الأخرى و على رأسها محكمة الجنايات الدولية لنضع الغطرسة الاسرائيلية تحت المِطرقة الفلسطينية الجبّارة ونهوي عليها بكل قوة.
العدو الاسرائيلي لا يعرف سوى طريقة واحدة لانتزاع الحقوق من أنيابه و هي الطَرق أو الضرب على رأسه بالهجوم عليه ومحاصرته دوليا ومقاومته شعبيا على خُطى جنوب أفريقيا عندما حاصرت نظام الأبارتهايد العنصري واستمرت بهجومها شعبيا و مُدعماً بالقانون الدولي حتى انتزعت حريتها انتزاعا من النظام العنصري، وقيادتنا الكريمة تسير على نفس المنوال ولذلك لابد من الاستمرار على نفس الدرب حتى النصر ،ولنستمر في الهجــوم.
تلك سطور قليلة عن بعض من حياة قائدنا الكبير ابو جهاد الخالد في القلوب ولكنها كُتِبت بأحرف نورانية أضاءت الطريق للأجيال القادمة لتعبر إلى سماء الحرية والوطن حتى إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .