إلى متى؟ ضحية جديدة من ضحايا الأجسام المشبوهة - رأفت طومان
بمجرد ميسور تنظر القمة عينيه تشعر بأنهما مليئتان ببحر من الدموع فتارة يلتفت يمينا و يسارا آخرى، كأنه يهرب من واقع مؤلم، يده اليمنى ترتجف و تتحرك بسرعة كبيرة فأحيانا تجده يحاول أن يمسك بها ملابسه و يحركها، ومرة يخفي بها لفات الشاش الأبيض الملتفة على يده اليسرى، طفل في عمر الزهور يعيش في بيت بسيط عمره لا يتجاوز العشرة أعوام بترت يده ليكون ضحية جديدة للأجسام المشبوهة.
طارق أبو حمده كان يلهو و يلعب في منطقة سكانه في منطقة الحاووز بمخيم خان يونس يجري و يمرح مع أصدقائه علهم يهربون من حرارة منازلهم البسيطة التي ارتفعت درجات حرارتها نتيجة انقطاع التيار الكهربائي الذي يحول دون تشغيل أي الأدوات الكهربائية أو لربما كي ينسون موعد طعام الغذاء الذي أصبح مفقودا في ظل وضع اقتصادي صعب.
يقول طارق:؟ "كنا نلعب على ارض ملعب الحاووز و كان هناك العديد من العلب التي تشبه علبة الكوكا كولا فهي دائرية الشكل، أسرعت و أخذت واحدة و رجعت بها إلى منزلي لأجد أمي تنتظرني بقلق لتأخري عن المنزل لفترة طويلة، فسألتني ماذا تخفي، فقلت لها: "إنها لعبة"، فنظرت إليها و طلبت من أن أقوم برميها بعيدا و لكني أخفيتها ووضعتها في احد الأماكن بالمطبخ بحيث لا تراها.
و تابع: "بقيت في المطبخ لمدة عشرة أيام و لم أقوم بالاقتراب منها و فجأة ذهبت إلى مكانها، و بدأت احضر بعض الأدوات لأقوم بتفحصها و معرفة ما بداخلها، و أخيرا نجحت في فتحها، و إذ بها أنبوبة بلاستيكية يقدر طولها و فتح إصبعيه الإبهام و السبابة بقدر عشرة سنتيمتر ".
أمسكت الأنبوبة لأرى ما بداخلها فكان عبارة عن مادة بيضاء تشبه دواء الغسيل قال: "وضعتها جانبا، ليقوم أخي الأصغر بتحريكها و سكب ما بداخلها فلم يتبقى سوى كمية صغيرة تقدر بالربع"، و فجأة أخذتها وخرجت بها إلى مكان خارج المنزل ليس ببعيد فجأة صرخت بشدة على صوت الانفجار الذي جعل جسمي مليء بالدماء و عيناي لم تعد تشاهدا ما الذي حدث.
أصوات الصراخ بدأت اسمعها من كل مكان و فجأة وجدت عمي يحملني بين يديه و يصرخ متوجها إلى قسم الاستقبال في مستشفى ناصر، حضرالأطباء من كل مكان، الأمر يزداد توتر، و لم أكن أدرك ما الذي حصل، فانا أخشى أن تقوم أمي بالصراخ علي أو توبيخي ، لكني وجدتها و الدموع تملئ عيناها و هي تنظر إلي و تبكي كأنها فقدتني.
صمت رهيب يخيم على المكان لا اعرف أين أنا لكنها في الحقيقة غرفة العمليات، فجأة فتحت عيناي لأجد الجميع حولي أمي و أبي أخواتي و إخواني الكثير من الناس كلهم ينظرون إلي فجأة نظرت إلى يدي اليسرى لأصرخ صرخة أبكت الجميع.
لقد قطعت يدي لم اعد استطيع اللعب، ماذا أقول لأصدقائي؟ هل ستسامحني أمي لأني خرجت و لم اعد سريعا؟ .
كلمات بدا يتحدث بها طارق و كأنه يعزف سيمفونية الألم و الحزن ليزداد الأمر سوءا عندما حدثنا بصوت خافت لم أتمكن من الذهاب إلى رحلة مع أصدقائي فقلنا له إن شاء الله ستخرج للرحلة بعد أن تقوم لنا بالسلامة قال و هو ينظر إلى يده المبتورة لن أتمكن من الذهاب لان والدي لا يستطيع دفع رسوم الرحلة.
أريد أن يكون لي يد استطيع أن اكتب و أن احمل أي شيء و أتمكن من اللعب من جديد مع أصدقائي الذين أحبهم كثيرا، كلماته التي كان يرددها بصوت مخنوق بعد أن بدأت عيناه تذرف الدموع.
اللجنة الشعبية للاجئين في محافظة خان يونس استقبلت الطفل طارق هو و والده الذي بدأت عليه ملاحم اليأس و التعب فهو يعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد و أحيانا بل و في اغلب الأوقات لا يستطيع أن يوفر لهم قوت يومهم فالظروف صعبة و البطالة لم تترك بيت من بيوت المخيم.
مازن أبو زيد رئيس اللجنة الشعبية للاجئين في محافظة خان يونس طمأن الشبل طارق ووعده بان يسعى جاهدا لمخاطبة الجهات المعنية من اجل الإسراع في تركيب طرف صناعي له يستطيع من خلاله أن يمارس حياته الطبيعية.
و قال بصوت غاضب: "إلى متى سيبقى أطفالنا ضحية للأجسام المشبوه مصطفى المجايدة شاب بترت قدماه، و ضياء شاهين و ابنه أصيبوا إصابات بالغة و غيرهم الكثير و اليوم شبل في عمر الزهور".
و طالب أبو زيد الجهات المعنية بضرورة تنفيذ برامج و خطط لجمع الأجسام المشبوه و تنظيم حملات توعية في مختلف الأماكن و خاصة الأماكن المأهولة بالسكان حتى لا تتكرر المعاناة و المأساة.
و أضاف أبو زيد إن مخيم خان يونس مخيم بسيط و مساحته لم تزداد منذ 66 عام و لكن سكانه في ازدياد مستمر ليصبحوا حسب الإحصائيات الأخيرة حوالي 76 ألف نسمة و هذا اثر سلبيا على كافة أشكال الحياة في المخيم فلم يعد هناك متسع للعب أو أماكن خضراء للتنزه .
و تابع: "هذا ما يدفع أطفالنا إلى الذهاب إلى أماكن على أطراف المخيم و التي كان يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي قبل الانسحاب عام 2005 مما يشكل خطورة على حياتهم و خاصة أن هذه الأماكن كانت نقاط عسكرية إسرائيلية".
و حول آلية التنسيق لتركيب الطرف الصناعي للشبل طارق أكد أبو زيد انه سيقوم بمخاطبة الجهات الرسمية من اجل توفير طرف صناعي في أسرع وقت ممكن.
و دعا جميع المؤسسات و المعنيين بالمساهمة في رسم البسمة على شفاه أطفالنا و شبابنا ضحايا الاحتلال و توفير لهم ما يحتاجونه سواء من دعم معنوي أو نفسي أو حتى مادي كي يستطيعوا أن يعيشوا باقي حياتهم كباقي شعوب العالم.