في الذكرى ال66 للنكبة : اسرائيل ليست انتصارا - سعدات بهجت عمر
بعد ستة و ستين عاما من جدل الحضور و الغياب الذي يسجّل فيه الحضور الفلسطيني لغته الحاسمة على حساب استقرار اللغة الصهيونية في غياب الماضي تحاول الانظمة العربية ذات الصفات المملوكية من جديد العودة بنا الى الاسئلة الاولى و الى الذكريات الاولى ،واستبدال الصراع العربي – الاسرائيلي بنقاط خلاف تنصّب فيها الولايات المتحدة الامريكية حكما ،وتغيب الامة العربية عن ساحة الصراع بشتى الوسائل ،واستبدال الامن الوطني بالامن الاجتماعي الذي يعني المزيد من القمع وحرمان المواطن العربي من التساؤل عن المستقبل و مصير الوطن و المواطن ،ومن لا يذكره سيواجه بكارثة التفريط المتواصلة و بعلامات لا تنتهي على لمهارة الفائقة في جعل الامة العربية و ضيتها المركزية هدفا سهل المنال.
هكذا يتبخّر التضامن العربي، و هكذا تاتي الذكرى السادسة و الستين من ايار ليجد المصير الفلسطيني نفسه محاصرا بمهمات الدفاع عن النفس امام الهجوم المضاد المزدوج بالالة العسكرية الاسرائيلية المدعومة امريكيا ،و الصمت العربي ،ويجد المصير نفسه ايضا من جهة اخرى يواصل صراعه التاريخي مع العدو الصهيوني محروما من مساندة عناصر التأييد العربية المعرضة للملاحضة و التفتيت ،وهكذا يتندر التضامن العربي من حول فلسطين.
ان الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بشجاعة و عطاء نادرين هو الذي جعل الشخصية الفلسطينية شرط السلام او الحرب في هذه المنطقة الحيوية من العالم ،و هو الذي جعل محاولات الفصل بين القضية و الشعب و السلطة الوطنية ،والقيادة الشجاعة بثيادة الؤئيس ابو مازن مستحيلة الادراك .
ان الصراعا المفتوح على المستوى الوطني و على المستوى الاجتماعاي ،وبعد مسيرة ستة و ستين عاما من التغيير العميق غير خاضع لرغبة الحكام العرب الذين عجزوا عن حل اية قضية من قضايا الوطن و قضايا الحكم ،واذا كانت الصهيونية و ادواتها قد عجزت عن وأد الفلسطيني و القضية الفلسطينية في المهد ،فلن يتمكن من تشبّه بها ان يعود بالحضور الفلسطيني الممثل بقناعة الرئيس ابو مازن كما القيادة الفلسطينية بعدم الاعتراف بيهودية الدولة و بحركات الجماهير العربية الواسعة التي حطمت الحاجز النفسي الملتف حول العروبة و القضية الفلسطينية الى الوراء ،لقد ارادوا ان يكون الفلسطيني غائبا عن ارض فلسطين ليتأسس المشروع الصهيوني في مناخ الشرعية ،وغائبا عن ناموس الاخلاق العربية الحميدة لكي لا يسرق حقا او لكي يذوب ،ولا تذوب القضية فلا يجد المتذبذبون المتآمرون افتتحاية للحوار ، و سيظل المشروع الصهيوني هو العدو الرئيسي للشعب الفلسطيني و للامة العربية ،وان قراءة ما فشل هذا المشروع عن تحقيقه في مهمة تصفية النقيض التاريخي ((الشعب الفلسطيني )) المناشر تشكل حجر الزاوية في مراقبة الازمات ،وآفاق تخطيها على الرغم من اننا لن نجد العودة الاساسية التي يتحلى بها هذا العدو في مقوماته الذاتية ولا في مصادرة الامبريالية بقدر ما نجدها في ضعف عناصر الجبهة العربية الرسمية .
هل نجح المشروع الصهيوني ؟هذا السؤال الصعب يُرَدّ عليه اولا، الصراع ىالمفتوح الذي مازال قائما للاحتمالات و الحسابات التي ترجح على المستوى النظري و التاريخي حتمية انتصار الامة العربية التي تمتلك شروط النهوض و التطور .ثانيا ، حرب السة و ستين عامام من عمر النكبة التي لم تقدم للعرب امكانيات تحقيق وحدتهم التي نقيضها الاحساس بالخطر المشترك،وبالمصلحة المشتركة ،وستنتهي هذه الايام و هي في العقد السابع للصراع العربي ـ الاسؤائيلي بالانقلاب الخطير في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الكويت في الاستراتيجية الذي تحول فيه الاخوة و الاصدقاء الى اعدء ،وتحول فيه الاعداء الى منفذين و صار العجز عن ادارة الصراع بعقلية جديدة صفة الايام العربية الراهنة ،وبعد الحصار و حرب التدمير والاجرام في كل فلسطين فان حرب الستة وستين عامام لم تقدم على المستوى الاسرائيلي حل مشكلة العمر اليهودي الضائع ،ولم يتمكن اليهود من التحول الى سكان شرعيين في المنطقة ،ولم يتمكنوا من صياغة حياتهم الطبيعية ،و لم يتمكنوا من تحقيق سلام مع احد رغم اتفاقياالسلام المعقودة سرا وعلنا ،ولم يحققوا استقلالهم المستحيل و سيكون عيدهم السادس و الستين شرا من الوحدة الفلسطينية بعد المصالحة فلم يعد احد منهم قادرا على القول ان فلسطين لا وجود لها ،وان الفلسطينيين من هم؟؟!من هذا لشبح الفلسطيني الذي حارب الطائرات و الدبابات و اليورانيوم المنضب و الرصاص المسكوب لأيام هزت العالم ؟؟!
ان المنطق الاسرائيلي هو الذي يلغي الوجود الاسرائيلي باشتراط حضوره بغياب المصاحلة و الوحدة ،و هذا يعني غياب الشعب الفلسطيني كله ،لقد حضر الشعب الفلسطيني و لم تكن الطائفة اليهودية تحارب الصحراء والاشباح ،لقد حشد الفكرالصهيوني نفسه بمقولات (خلاء) فلسطين من السكان ،ونجح قطعان المستوطنين اليهود وعصابات الهاغانا و شتيرين و غيرها من اخلاء مناطق واسعة من ارض فلسطين من السكان ،فكانت المذابح بدءا من ديرياسين و الطنطورة و كفرقاسم وصولا الى صبرا و شاتيلا و مخيم جنين شرط حياة الكيان الصهيوني كما كانت مذابح النازية الشرط ذاته.
كيف يصير اليهودي نازيا تماما كما يصير العربي الرسمي المتعاطي عما يحدث في فلسطين صهيونيا ،ولكن لانجاز هذا المشروع الصهيوني و القيام بدوره الذاتي و دوره الصليبي شروطا اخرى هي المزيد من الارض ،لم تكن الارض الفلسطينية خالية فلم يتمكن الفكر الصهيوني الواقع الاسرائيلي من التعامل مع الفلسطينيين على اساس انهم غائبون ،لقد استحضرهم التوسع في الوعي و في الصراع.
ان الشعب الفلسطيني موجود قبل المشروع الصهيوني و هو الذي يعرقل ضرورة هذا المشروع الى ثبات الرئيس ابو مازن و القيادة الفلسطينية و من خلفهم الشعب الفسطيني ،وهو الذي يستقطب الان اللحظة الثورية العربية كطفرة لا محال آتية و يغذّي الامة بنبض المواجهة ،لم يكن تاريخ المشروع الصهيوني تاريخ بناء دولة اطارا لتطور شعب يمارس حريته و حياته و ابداعه الحضاري ،انهم ـ اي اليهود ـ مشغولون بمعرفة حياتنا و سرقة التراث و التاريخ و الكتب فلا يستطيعون تطوير حياتهم ،لقد كان تاريخ المشروع الصهيوني ولا يزال تاريخ بناء جيش للقتل والاعتداء،سبارطة جديدة لا قيمة للانسان فيها الا قيمة الاعتداء و تاريخ الصيرورة.
لم تفعل الطائفة اليهودية شيئا ذا شأن غير هذه اللغة ،لغة القتل و التدمير و غيرها ، و هكذا كان تحررها فعلا قاسيا لاختبار العبودية ،فيبقى السؤال عن النجاح او الفشل محكوما بمعايير الزعامة العربية و سياستها ،اما في شروط الغزو فيبقى السؤال متأرجحا على موازين القوى ،وخارج هذا الشرط يرد السؤال الصعب ،هل تحررت الطائفة اليهودية على اشلاء فلسطين التي لم تعد اشلاء بعد قيام السلطة الفلسطينية .
قد يقول اليهود انهم تحرروا من المنفى فأي وطن هذا الذي لا يشبهه ميدان قتال آخر ؟؟!! لقد جمع اليهود منافيهم في منفى واحد مسدود النوافذ و الابواب على الجهات كلها الا جهة الانتحار ،وقبل ذلك و بعده هل يصلح شأن هذه الاسئلة للطرح على الصهيونية خارج عناصرها العدوانية و التدميرية ؟؟! لا ،فأي كيان هذا الذي تجري محاكمته ضمن منظور عادي و خارج عن ساحة الصراع ؟؟! و اي مستقبل حل يصوغه نتنياهو واوباما ؟؟! ويأتي الحضور الفلسطيني الذي كان غيابه شرط حياة الكيان الصهيوني ليحول الاسئلة الى مصير ،لا ياتي الفلسطيني من الصفر و من الليل السري ،والبحر الغامض انه ياتي من ارض اقامته ارض جدوده منذ ظهور الخليقة و من الحق ،و من نهوض الجماهير العربية التي ستنزل الى الشوارع و تدوس المذلة و المسكنة ،ومن مستقبلها على الرغم من املاتء اللحظة العربية الراهنة يمظاهر الانحطاط و التفسخ و التشرذم و العودة الى الماضي ،لقد انقسم العرب لانهم منقسمون منذ البداية في المصالح الاجتماعية و الوطنية و السياسية ،وقد آن الاوان لان يوفي الرجاء العربي من اغرار الكم و غيره بدل ان تعلن عن وجهها ،وتبذل كل شيء من اجل ان تعطي الدور الاول و الاخير لامريكا لفرض شروط التسوية لاقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل،وهذا يعني ان وحدة اقتصادية عربية بزعامة اسرائيل ستقوم وتحقق مقولة التوراة و التلمود ان الشعب العربيهو عبارة عن غوييم ،ونحن الان لا ننظر الى الوراء لنرى الليل السابق و الحصار الراهن بل لنرى التطور المذهل الذي حققته الشخصية الفلسطينية ب"لاـ آت" ابو مازن المقاتلة على كل جبهات الصراع ،ولنرى المأزق الذي يضع الحضور الفلسطيني الموحد اسرائيل حيث يجعلها عاجزة عن توظيف انتصاراتها العسكرية و يعطيها صفة الحقيقة اسرائيل ليست انتصارا ،ولندرك ان المأزق الذي يسمّ الوقت العربيالراهن بالعجز ليس مأزق الجماهير العربية التي ستنزل الى الشارع من جديد و تطالب بالغاء الحدود السياسية مع فلسطين بل هو مأزق الحكام .