سقطت الأقنعة وظهر الوجه الحقيقي للشيطان - د. حسناء عبدالعزيز القنيعير
نجح المتشددون دينياً خلال سنوات طويلة - وأعني أولئك الذين تشكلت من بعضهم الأحزاب والتنظيمات الإرهابية، كالإخوان المفلسين، وما تفرع عنهم من قاعدة وجماعات إرهابية أخرى كداعش وغيرها - نجحوا في خداع الناس بدينهم وورعهم، فتستروا تحت مظلة الإسلام لكي يُحققوا أوهامهم، كإقامة الخلافة الإسلامية، وإحكام السيطرة على شعوب الأمة، والاستيلاء على ثرواتها. سقطت الأقنعة وظهر الوجه الحقيقي للشيطان الذي هو على استعداد لأي شيء حتى ولو أدى الأمر إلى قتل الأبرياء وحرق البلد بمن فيه، للوصول إلى أهدافهم ! وكانت وسائلهم كثيرة، ومنها تجنيد المرأة، واستخدامها للقيام بما لا يستطيع الرجال فعله، ليس هناك ما هو أغلى وأهم من الوطن، وإن اعترض على ذلك فقهاء التشدد، فالوطن لو ضاع لن يجد أولئك المتشددون ركنا آمنا ليمارسوا عباداتهم عليه، ولنا عبرة بما يحدث للاجئين السوريين، إذ لامياه ولا أماكن طاهرة، ناهيكم عن الخوف والرعب والجوع والمرض وغير ذلك مما يتعرضون له. يجب إعلاء قيمة الوطن لدى المواطنين دينيا وتربويا وإعلاميا لأنها في المجتمع العربي بعيدة عن الشبهات نظرا لطبيعتها. عندما انضمت المرأة للجماعات الإرهابية كان دورها مقصورا على الطبخ والتنظيف والنكاح، ثم أصبحت تستخدم في إيصال الرسائل بين قيادات التنظيم والجماعات خارج السجن، وتتضمن هذه الرسائل في الغالب تكليفا بعمليات إرهابية، أو عمليات اغتيال وغيرها. وبعد ذلك تطورت أدوار المرأة إلى المشاركة المباشرة في العمل المسلح بتنفيذ عمليات إرهابية. إذن لم يعد الإرهاب حكرا على الرجال، فقد أصبح للنساء حصة الأسد فيها، وما يقال اليوم عن انخراط المرأة في العمل الإرهابي ليس مبالغة أو ترويجاً إعلامياً من باب التهويل، بل هو حقيقة تثبتها الوقائع في أكثر من قطر عربي. بادئء ذي بدء نقول إن الإرهابية امرأة ذات شخصية انفعالية، تعاني خللاً في تعاملها مع الأشياء في محيطها، ما يولد عندها إحساساً بالفشل، فتتكون لديها مشاعر يختلط فيها السخط بالاكتئاب وحب الانتقام من المجتمع الذي عجزت عن إثبات نفسها فيه، يضاف إلى هذا التعبئة الدينية المتشددة التي ليس من مفرداتها الرأفة والرحمة وحب الآخرين، بل قسوة وعنف وشحن ضد الدولة والناس كافة، حتى تصل إلى قناعة تامة بالمبررات التي تلقن إياها، إلى ما هنالك من تعبئة فكرية ودينية وإيديولوجية. وما يجعل تجنيد المرأة في الإرهاب وسيلة ناجحة، هو أنه يصعب ملاحظة أي تغيير عليها من قبل المجتمع قبل انخراطها الفعلي، باستثناء الأشخاص القريبين منها إذ يلاحظون أنها باتت أكثر تعصبا في افكارها وطروحاتها الدينية، وأكثر انفعالا ورفضا لأفكار الآخرين ونصائحهم . وحسب أحد رجال الأمن العرب "فإن الاستعانة بالنساء في العمل الحركي يحدث بين الحين والآخر من باب تغيير التكتيك، لتضليل أجهزة الأمن عندما يتم تكثيف الإجراءات لمواجهة العناصر الإرهابية، وقد قطعت جماعات الإرهاب شوطاً بعيدا في تجنيد النساء داخل التنظيمات". وعندما يتمترس الإرهابيون خلف النساء والأطفال في المظاهرات، أو الاعتصام أمام السجون أو وزارات الداخلية ويتنازلون عن سيادتهم على المرأة، فذلك من باب حماية أنفسهم، ولكي يضربوا عصفورين بحجر واحد ، فإذا أصيبت النسوة، فإنهم سرعان ما يوظفون ذلك إعلاميا وعالمياً لتشويه صورة قوات الأمن في أنهم يقتلون النساء، أما في حال سقطن ضحايا فالأفضل بالنسبة لهم أن تموت النساء لا الرجال، لأن قيمة المرأة أدنى من قيمة الرجل عندهم ! كذلك فإن الجماعات الإسلامية الراديكالية "يستخدمون المرأة كعنصر جذب لاستقطاب أعضاء جدد إلى صفوف التنظيم، أو كمكافأة لهم على بعض العمليات التي قاموا بتنفيذها، حيث يزوج أمير الجماعة أحد الأعضاء ب "أخت" من التنظيم يختارها له، وغالبا ما يكون الزواج مجانا على طريقة (وهبتك نفسي)، ولا تتوقف المكافأة عند هذا الحد بل تشمل أيضاً أعباء المهر والمسكن وكافة النفقات الأخرى، ومن المنطقي بعد الزواج أن تتحول الزوجة إلى أداة لا تملك حق مناقشة أوامر الزوج، بل تتفانى في تنفيذ كل ما يطلب منها حتى التورط في عمليات الاستطلاع أو حمل المواد المتفجرة والأسلحة ". وهناك روايات تشبه الأساطير عن دور المرأة الإرهابية التي تحرص على التدريب في ساحات القتال كالرجال تماماً، وتبرع في الرماية وإعداد المتفجرات والتفخيخ والتنكر وغير ذلك. كما في بعض الدول العربية التي نجحت الجماعات الإرهابية في تجنيد المرأة فيها، ففي مصر، كانت جماعة "التكفير والهجرة "، قد نجحت في تجنيد المرأة الإرهابية، وتشير أوراق إحدى جرائمهم إلى وجود 22 سيدة في لائحة المتهمين بالانتماء إلى الجماعة، وفي قضية أخرى قبض على متهم في التنظيم، ومعه ثلاث سيدات، والمثير أن المباحث حين فتشت الشقة لم تعثر على مسدسات وذخيرة ومستندات فقط ، بل عثرت لدى إحداهن على عبوة متفجرات وفتيل، واتضح من التحقيقات لاحقاً أن تلك السيدة كانت صاحبة فكرة تفخيخ ثلاث شقق كان يختبئ فيها أعضاء التنظيم. "وتحمل أوراق قضية التكفير والهجرة تفاصيل مرعبة، فقد فرض التنظيم على الأبناء أن يتركوا أسرهم إذا لم يدخل الأب والأم في الجماعة، وعلى الزوجة أن تترك زوجها إذا لم يدخل في الجماعة التي كانت تتولى شؤون الأبناء من سن الرابعة عشرة وحتى العشرين، وتلقنهم الدروس الدينية التي تحض على ترك التعليم النظامي، وترك القوات المسلحة والوظائف بصفتها دورا للكفر، قبل أن تأخذ الجماعة عليهم البيعة بالسمع والطاعة حتى تسلبهم إرادتهم، ثم تجمع بين الرجل والمرأة عن طريق كشوف بأوصاف كل منهما ثم التلاقي دون خلوة، حتى يتم الزواج، وفي خلال سنتين أو ثلاث يقدم إلى الشخص عقد العمل في الخارج نظير إرسال نصف راتبه، وهكذا تضمن الجماعة لها الولاء والمورد، وإذا انشق أحد الزوجين على الجماعة تطلق الزوجة باعتبار الزوج خارجا عن الجماعة ومرتدا وكافرا، وإذا لم يرض الزوج بتطليقها، اعتبر كافرا، وبالتالي تكون زوجته مطلقة " . أما الإخوان المفلسون فقد جندوا النساء للمساعدة على تنفيذ أعمالهم الإرهابية، وكشفت الأحداث – حسب أحد الصحفيين المصريين – عن مشاركة "سيدة في اغتيال الرئيس أنور السادات، ليس بالتخطيط أو الإعداد أو إيواء الجناة، ولكن بالتنفيذ أيضاً، فأثناء عمليات البحث عن بعض المتهمين الهاربين، وتعقب أحدهم في إحدى ضواحي القاهرة، وحين طرق الضابط ومرافقوه باب الشقة التي يقيم الهارب فيها، فتحت له سيدة محجبة، لا يشي مظهرها بما يدعو للريبة، فسألها الضابط عن الشخص الهارب فأجابته بهدوء بأنها شاهدته يدخل الشقة المواجهة، وبمجرد أن استدار بادرته السيدة بالهدوء نفسه بإطلاق الرصاص عليه من بندقية آلية كانت تخفيها في طيات ملابسها" . ويطول الحديث عن إرهاب المرأة المنتمية للإخوان. أما في الجزائر فيرى محللون أن الهدف من ضم نساء إلى الجماعات المقاتلة دعائي وإعلامي في الدرجة الأولى قبل أن يكون سعيا لتحقيق نصر في الميدان. وجاء في إحدى الصحف الجزائرية أن " أم الدرداء وخديجة وخيرة وجميلة وغيرها، أسماء لنساء عشن وسط سرايا الجهاد والكتائب القتالية عند انطلاق شرارة العمل المسلح في الجزائر، في تسعينيات القرن الماضي. وانتشرت هذه الظاهرة في ولايات عدة، ما حمل بعض الصحف المحلية على تقصي الظاهرة ومحاولة فهم أبعادها " . وكشفت صحيفة "الخبر" أن ملف نساء تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" يحظى باهتمام كبير لدى أجهزة الاستخبارات الأوروبية والأميركية، وذكرت تقارير أمنية أن عدد النساء في الجماعات المسلحة أكثر من 711 امرأة ما يزال بعضهن يعملن حتى اليوم، فيما قضى البعض الآخر منهن في مواجهات مع قوات الجيش أو ألقي عليهن القبض". ونصب الجيش كمينا للجماعة في سنة 2003 بعدما تأكد من وجود نساء ضمن المجموعة المحاصرة، وطلب منهن الاستسلام عبر مكبرات الصوت غير أنهن رفضن، ما أدى إلى اندلاع اشتباك أسفر عن مقتل العناصر المسلحة، ومن بينهم الأختان خديجة وجميلة المنتميتان للسرية المكلفة بالتموين ضمن المنطقة الأولى للجماعة، وعثر الجنود على أسلحة رشاشة وكمية من الذخيرة بحوزتهما. وأكد تائبون كانوا أعضاء في جماعات مسلحة أن قرى بأكملها في الجبال انضمت إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ما ساعدها في الاعتماد على تجنيد العنصر النسوي. كما كشفت اعترافات تائبين خلال التحقيق معهما عن أن أكثر من خمس نساء برفقة أبنائهن الذين يزيدون على 18 طفلا، يقيمون في مراكز تدريب في غابات تحوي أنفاقا تسمح بالعبور والفرار عند حدوث مداهمات. وأما في لبنان فالبداية كانت من التفجير الانتحاري الذي وقع في إحدى محطات الوقود في منطقة الهرمل، حيث نقلت معلومات عن احتمال أن تكون منفذة العملية امرأة انتحارية. وأوردت الصحف فيما بعد خبر إلقاء القبض على ثلاث سيدات لبنانيات وبحوزتهن كميات من المتفجرات والأحزمة الناسفة، ويقدن سيارة مفخخة معدة للتفجير في بيروت. (اطلق سراح اثنتين منهن في وقت لاحق لعدم وجود دليل ضدهما)، ما أثار الكثير من التساؤلات حول مشاركة الجنس اللطيف في الحرب الإرهابية وخوضها " غمار" العمليات الانتحارية. أمنياً يؤكد المحللون أن معظم الانتحاريات في لبنان جزء من تنظيم القاعدة بخلفيته المتطرفة مذهبياً، ويؤمنّ بأن التطوع للشهادة لا يشكل ألماً ومعاناة بل إنه امتياز جدير بالتكريم، ويذهب البعض في التحليل إلى اعتبار استخدام النساء في العمليات الانتحارية نوعاً من القيمة الدعائية أكثر منه ميدانياً، إذ تريد القاعدة والجماعات الإرهابية المتشددة، من استخدام النساء إشعار الرجال المتخاذلين حسب رؤيتها بالعار. وأما في بلادنا فلا شك أن إرهابيي القاعدة نجحوا في استمالة بعض النسوة، اللاتي تزوجن من إرهابيين، واللاتي نجحن في الهروب عبر الحدود الجنوبية للالتحاق بأزواجهن، وهناك من تمكنت أجهزة الأمن من القبض عليهن قبل الفرار، لكن لا شك أن هناك نسوة داخل الوطن ما زلن يعملن لصالح إرهابيي القاعدة بحماس بالغ، فيجمعن الأموال، ويلقين الندوات في المجالس النسائية المغلقة. قد لا تكون القاعدة نجحت في الوصول إلى مرحلة صناعة انتحاريات، لكن في حال استمر الوضع على ما هو عليه فلا يستبعد أن يتطور الأمر ليصل إلى مرحلة تفشي ظاهرة الانتحاريات. في النهاية ليس هناك ما هو أغلى وأهم من الوطن، وإن اعترض على ذلك فقهاء التشدد، فالوطن لو ضاع لن يجد أولئك المتشددون ركنا آمنا ليمارسوا عباداتهم عليه، ولنا عبرة بما يحدث للاجئين السوريين، إذ لامياه ولا أماكن طاهرة، ناهيكم عن الخوف والرعب والجوع والمرض وغير ذلك مما يتعرضون له. يجب إعلاء قيمة الوطن لدى المواطنين دينيا وتربويا وإعلاميا، في المساجد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام، التي يبدو أنها آخر من يعلم، فتراخي وزارات (الشؤون الإسلامية والتربية والتعليم، والثقافة والإعلام) يؤكد أن الجهات الأمنية تحارب الإرهاب وحدها، وكأنها هي فقط من عليها المحافظة على أمن الوطن، وليس تلك الوزارات التي لها مساس كبير بشريحة كبرى من المواطنين، وصفتها تلك تحتم عليها أن تسعى إلى تشكيل وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على أمن الوطن واستقراره. أخيراً لامناص من الدعوة مع الداعين إلى وجوب "العودة إلى فكرة بناء الجدار العازل في جنوب بلادنا لسد منافذ تهريب البشر والسلاح، وإرسال الإرهابيين إلى البلد، فلن يستطيع سلاح الحدود، وحده، تغطية مساحات شاسعة وهو يواجه يومياً، نحو ألف متسلل عدا عن الإرهابيين وتهريب الإرهابيات.