أخو الرئيس- احمد دحبور
فوجئت السبت الماضي، بنبأ رحيل الدكتور محسن عرفات، الاخ الاصغر لزعيمنا القائد ابي عمار، وكما كان المرحوم الراحل متواضعا بسيطا في حياته، جاء رحيله المفاجئ كأي خبر عادي، حتى ليمكن القول ان اذاعة الخبر كانت من باب «تبليغ من يلزم» فهذا الطبيب الاليف الذي قضى سنواته الاخيرة في دولة الامارات، وقصره الرسمي ابوظبي، ما كان ليحدث ضجيجا او يبلغ من حوله بأنه اخو القائد الذي ارتبط باسمه تاريخ شعب كامل على امتداد عقود من السنين.
ما زلت اذكر لقائي بالرجل، كانت المناسبة واحدة من الفعاليات التقليدية لمنظمة التحرير الفلسطينية في دولة الامارات العربية المتحدة، وكنت واحدا من جمهور المدعوين، والى جانبي الشاعرة ظبية خميس، حين هزت رأسها برفق ولباقة وهي تحيي رجلا في مقتبل العمر، على شيء من الصلع، ذا وسامة لا تخفى، ثم التفتت الي متسائلة: لماذا لا تحيي الدكتور؟ وبتلقائيتي البريئة سألتها: اي دكتور؟ وغني عن القول اني لم ألبث ان تعرفت على الرجل الوديع الذي رد على تحيتي بأحسن منها. لم اقاوم فضولي فسألته عما يشغل من مهام في مكتب المنظمة، فأجابني ببعض الخجل اللطيف: انني احد افراد الجالية الفلسطينية وانا طبيب!!
يومها شرحت لي ظبية ان الطبيب الشاب ليس من العاملين في مكتب المنظمة، وانه من الممكن ان بعض افراد الجالية لا يعرفون الصلة التي تربطه بالرئيس الفلسطيني.
وازددت معرفة بالرجل فيما بعد، من خلال شقيقته السيدة مديحة عرفات التي عملت واياها عام 1977 في اذاعتنا التي كانت تبث من القاهرة والحق ان معرفتي بالرجل لم تزدني الا تقديرا لعفويته ودماثته وتواضعه، فهو لم يستخدم اسم شقيقه الرئيس، على ما اعلم، لأي نوع من المناسبات، وكان سفيره الى الآخرين هو عمله ولطفه وعدم اقحامه نفسه في شؤون الآخرين.
وكان -والحق يقال- للدولة المضيفة دولة الامارات، دور في ان يأخذ الدكتور محسن هذا الوضع الطبيعي بلا ابهة او احتفالية او اي نوع من الرسميات، فالفلسطينيون هناك لا يشكون تقصيرا من مضيفهم حتى يضطروا الى الاستعانة بأحد لتيسير امورهم، وكان الدكتور محسن بدوره لا يسند لنفسه صفات خاصة، فهو مجرد واحد من الناس، دكتور فلسطيني، تميزه لهجة مصرية اقوى من لهجة اخيه الكبير الاشهر. وفهمت من الاخت مديحة ببساطة ان امهما مصرية وقد اخذا لهجتهما منها، بل ان اسميهما يتميزان بوقع مصري مألوف، وزيادة على ذلك فإن لهما شقيقة ثالثة، اسمها مرفت، تتكلم مثلهما باللهجة المصرية، وهذا ما فسر لي تلك اللهجة المتميزة للقائد العام، فهو لا يتكلم باللهجة المصرية وان كانت مفردات كثيرة منها تجد طريقها الى لسانه فهو من ام فلسطينية ولكن نشأته كانت في ام الدنيا..
واتفق في تلك الفترة التي اقتربت فيها من الدكتور محسن عرفات، ان جريمة الانشقاق كانت قد وقعت في صفوفنا، وان للمنشقين نشاطا ملحوظا تشهده ابوظبي، وقد رأيت هناك رجلا فلسطينيا كان من معارفي البعيدين في مخيم حمص للاجئين، وفوجئت بالرجل يؤيد الانشقاق بعصبية ظاهرة على غير دراية بظروف الانشقاق ومسبباته، اما كيف عرفت ذلك، فلأنه كان يتحدث بغير لباقة مع د. محسن في موضوع «الانتفاضة».. ولم ينجح الرجل في استفزاز د. محسن ولا حتى باستدراجه الى الجدل. وفي تفسيره لذلك، اذكر انه قال لي رحمه الله: انا هنا واحد من الجالية، ولست موظفا برتبة اخ لرئيس اللجنة التنفيذية. فقلت له: ولكن ابن الجالية يدافع عن مشروعه الوطني.. تنهد الرجل وابتسم قائلا: ان هذا الاخ المغرر به من افضل الفلسطينيين في هذا البلد، فأكتفي بالقول: الله يهديه..
على ان هذا الوجه المتسامح للدكتور محسن، كان وجها آخر يوم حضرنا اجتماعا شبه شعبي كان فيه تطاول على المنظمة، عندها انبرى الدكتور المهذب للدفاع بالحجة المقنعة، وبالاسلوب الرزين حتى كسب تعاطف الحضور..
لم يكن كبيرا في السن الى حد كبير، ولم يظهر عليه اي نوع من المرض، ولكن للآجال مواعيد، كان رحمه الله مطفئ حرائق، لكنه لم يكن ليحيد عن الحق، حتى ليحضرني، لهذه المناسبة ابيات للشاعر الكبير بابلو نيرودا يقول فيها:.. ولهذا لا تتوقعوا مني عودة، فلست ممن يعودون عن النور..
رحمه الله..