محمود عباس الأمل والعمل - رامي الغف
القيادي المخلص هو من يؤمن بان المنصب مسؤولية وانه تكليف وليس تشريف، والقيادي المحنك هو الذي لا يتعامل بالراهن وحده إنما من تنظر عيناه وفكره إلى المستقبل، وما يحمل من إمكانات ومن معوقات ومن مصادفات، والقيادي الحكيم هو من يوقن بان الجماهير قد يقتاتون على الوعود والشعارات ردحاً من الزمن، ولكن يأتي يوم لا يصدقون فيه وعداً، ولا يأخذون الكلمات بالاعتبار، فهم يصبرون لكنهم في النتيجة يحاسبون على النتائج الملموسة وليس على الوعود، والقيادي الحكيم هو من لا يأخذه الغرور بالتصفيق والهتاف، وهو الذي لا يغتر بقوته بالمنصب أو بالعائلة، وهو الذي لا يعتمد بان لديه من المليشيات ما يحميه كلا ولا الجبال الشامخات بوسعها أن ترد الأذى أو الموت عنه، والقيادي الحكيم هو الذي لا يتعامل على أساس حالة الضعف والوهن عند الطرف الآخر فيتعالى عليه، وينسى عونه فيما مضى، ويتنكر للروابط التي رسمتها الطبيعة واقرها الله، والقيادي الحكيم هو الذي لا يرسم أهدافه على أساس أن الفوضى والاضطراب سائدتان في وقت بعينه فكل فوضى زائلة، وكل اضطراب ينتهي ذلك لان الإنسان بطبعه مجبول على حب الاستقرار، وأن حياته لا تزدهر إلا في ظل الأمن والسلام والحب والوئام، والقيادي الحكيم هو الذي يعرف ما يمكن أن يتحقق من أهدافه وما هو مستحيل التحقيق. نعلم جميعا أن القيادة الرشيدة لها الدور الأكبر في توجيه المجتمع، حيث إنها القادرة على تعبئة طاقات المجتمع وتوجيهها إلى ما فيه خير العباد والبلاد والخير والفضيلة والبناء, فلا يمكن بكل حال من الأحوال أن نكتفي بقيادة تدير المجتمع بإمكاناته المادية والمعنوية, بل لابد لها ان تضيف إمكانات جديدة لا تأتي ألا بتفجير طاقات الجماهير ومخزونها الفكري والثقافي والتعبوي, وهذا يتطلب منا ان نرسم ملامح الشخصية القيادية المؤمنة الصابرة المجاهدة المؤمنة بحتمية النصر, والتي تنذر النفس في سبيل وحدة الجماهير والوطن وصيانة مقدساتها وحماية ثوابتها, ومن اجل ذلك لابد من استقامة المجتمع ومعرفته بمصالحه وقيادته الحقيقية, ومن دون تجسيد القيادة للمثل الأعلى بالإيثار والتفوق, والقدرة على الصمود أمام الأهواء والميول الذاتية والرغبات, وأمام تحديات مراكز القوى الداخلية وتهديدات القوى الخارجية, من دون ذلك تذوب هذه القيادة في التيارات الداخلية الفاسدة, والتيارات الخارجية الطامعة, وتصبح كالقيادات الفاشلة القائمة حاليا في الكثير من الأوطان. قبل كل شيء لابد ان نعرف ان القيادة الحكيمة هي قيادة القلوب وليست قيادة الأبدان, وهي قيادة الرضا وليست قيادة التسلط, هي قيادة التسليم والحب وليست قيادة الأمر الواقع, و بدون أيجاد حالة الرضا التي تشكل أرضية القيادة في المجتمع, يستحيل إيجاد الحالة القيادية في قمة الهرم القيادي, أو القائد الأعلى لهذه الجماهير والمتأمل لشخصية السيد الرئيس محمود عباس يجدها شخصية قيادية بامتياز، فقد رسخت ملامح القيادة في شخصه وفي سلوكه قولا وفعلا, ومن خلال اتصافه وما يحمل من سمات رجل الدولة, وقائد المسيرة ومفجر الطاقات والأنموذج الصالح الذي يحتذي به، وملامح الشخصية القيادية التي لابد لها ان تقود هذه الجماهير إلى بر الأمان، وباستقراء بسيط لهذه الشخصية القيادية لابد لنا ان نقف ونحلل صفات هذه المرحلة ومن يصلح لها وأهلا لقيادتها والمتعمق في تشخيصه يكتشف وبسهولة ان السيد محمود عباس هو رجل المرحلة ولا بديل عنه لان المرحلة بحاجة إلى من يستطيع تشخيص الصواب وفرزه عن الدخيل والمغلوط و المنحرف بمسيرة الشعوب التي تواجه التحديات الجسام وكما يمر اليوم وطننا الحبيب. منذ اليوم الأول لانتخابه قائدا للجماهير الفلسطينية، تبنى أبو مازن ثوابت وغايات مهمة على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي في بناء المعادلة الفلسطينية الجديدة التي تعبر عن هموم المواطن الفلسطيني التي سببها الاحتلال الصهيوني, فامتلاكه رؤية عميقة للواقع السياسي والإحداث الجارية في الوطن والمنطقة, والقابلية على متابعة الأمور والإحداث بأدق تفاصيلها وجزئياتها ودقائقها وربطها مع بعضها البعض وحدس المتوقع واستنباط النتائج والإفرازات المتنوعة والمتعددة, والنظر إلى جميع ذلك من عدة اتجاهات ومستويات وبعين ثاقبة لا تخلط بين الأبيض والأسود ولا تتوهم في تحليل الحوادث وتفكيكها, هذه الميزة والقدرة التي امتلكها ابو مازن وهو النهج ذاته الذي وضعه وارسي دعائمه شهيد فلسطين ياسر عرفات وسار عليه من بعده ابو مازن في طريق الكفاح والجهاد والتنمية والإعمار, فتحققت لديه القدرة الكبيرة على التعاطي مع مجمل ما تشهده الساحة الفلسطينية وما يعتريها من مطبات وهزات بعقلية منفتحة لا تكاد تخطئ وتستوعب دائما الأمور وتضعها في نصابها الصحيح وتتعامل مع مجمل المواقف بمهنية سياسية عالية وإمكانية نادرة في حل شفرات الأزمات وإيجاد الحلول الناجعة لها والخروج دوما بما هو ممكن من الأهداف المرجوة لمسيرة العملية الديمقراطية وغاياتها, فالرجل يمتلك حنكة سياسية أهلته باستمرار لقيادة الجماهير نحو بر الأمان والحياة الحرة الكريمة بعيدا عن أي تجاذبات غير نافعة أو حسابات خاطئة. وما ثبت بلا مزايدة إن أطروحاته والتي جاءت عبر دعوته بالجلوس إلى طاولة الحوار من اجل تشكيل حكومة الشراكة الوطنية ووضع برنامجها , قد بلغت من الاتزان والواقعية والنضوج بما لا يسع لأحد إنكاره, وان حرصه على المصلحة العامة لأبناء الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته الدينية وألوانه الحزبية وتوجهاته السياسية لا يتقاطع أبدا مع حرصه على وحدة الصفين المسيحي والسامري كمكونين من المكونات الفلسطينية الهامة, حيث يعد توحيده وتقارب وجهات نظر أبناءهم مؤشرا ايجابيا في الواقع ككل، فكان كل هذا ضمن توجهاته سابقا ولاحقا، ذلك لان عمق التجربة وسمو الهدف والإيمان بحق الآخر قد خلق مزاجا عاما بعيدا عن الانفعالية قادرا على التحكم بالعواطف, ولعل ما ثبت من خلال المراحل السابقة من وعي وطني أصيل يدفعنا للاطمئنان بان محمود عباس سيحقق الأهداف المرجوة التي أسس لها كل شهداء شعبنا. لقد قدم ابو مازن تجربة وطنية مميزة وكبيرة بإبعادها, وارسي دعائم صرح فلسطيني يقوم على أسس الشراكة الوطنية والعدالة والمساواة بين مكونات الشعب الفلسطيني من دون تهميش أو إقصاء أو استبعاد لأي طيف من أطيافه وبناء دولة المؤسسات والقانون وهو الشعار الذي ناضل من اجله الشهيد ياسر عرفات واعتبره الهدف الأسمى والمقياس لنجاح الجهود والتضحيات التي قدمها الفلسطينيون طيلة سنوات النضال والكفاح والجهاد والمقاومة والمواجهة ضد الاحتلال الصهيوني.
* آخر الكلام نتمنى للجماهير وللقيادة وللدولة الفلسطينية غد أفضل وحياة سعيدة ونظام مستقر يسوده العدل ويعم فيه السلام.