الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا في الاغوار وينصب بوابة حديدية على حاجز جبع    حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    استشهاد مواطن وزوجته وأطفالهم الثلاثة في قصف للاحتلال جنوب قطاع غزة    رئيس وزراء قطر يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة    "التربية": 12,329 طالبا استُشهدوا و574 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب والتدمي    الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 59 معتقلا    "فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس  

"فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الآن

جيفارا غزة في ذكراه- عيسى عبد الحفيظ

في ليلة من ليالي شهر آذار عام 1973، حاصرت قوة كبيرة من الجيش الاسرائيلي منزل الدكتور المناضل رشاد مسمار في غزة وتحديدا في حي الرمال، وبدأوا حملة تفتيش واسعة ودقيقة استمرت عدة ساعات وحتى انبلاج الفجر حتى تمكنوا من اكتشاف المخبأ الذي تحصن فيه جيفارا غزة فحدث الاشتباك الذي سقط على أثره البطل محمد الاسود الملقب (جيفارا غزة) واثنان من رفاقه.
محمد الأسود ابن حيفا، سليل الكرمل، الذي ذاق مرارة اللجوء على أثر النكبة، ونشأ في غزة هاشم لاجئا محروما من أبسط مقومات الحياة، لكن نسغ الصنوبر في الكرمل كان يسري رصاصا سائلا يغلي في عروقه لاتمام المشوار الذي سيقود يوما ما الى مسقط الرأس في حيفا.
لم يستطع محمد الاسود هضم ما جرى عام 1967، فترك مقاعد الدراسة في القاهرة وقد أتم عامين حاملا معه روح التحدي والتصدي والرفض للهزيمة التي كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اول الرافضين لها، والذي رفع شعار ازالة آثار العدوان، لكن القدر لم يمهله لينجز الهدف لكنه عمل وبكل جهد ممكن وباصرار عنيد على تحقيق ذلك ووضع اللبنات الاساسية له، بل ورسخ كل امكانيات مصر الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي أعاد بناءها من جديد، وزرع فيها روح الرفض للهزيمة.
محمد الاسود (جيفارا غزة)، دوخ الاحتلال على مدار سنوات طويلة، شاب مندفع بحساب دقيق، مغامر من الدرجة الاولى مع يقظة تامة. لا يترك شيئا للصدف، القائد العسكري لقطاع غزة، خصال القائد الواثق من نفسه ومن مسيرته وسلوكه ونظافة يده، شجاع لا يهاب الموت، مروءة عالية وكرم عربي أصيل، وسمو أخلاق، وقوة شخصية مع درجة عالية من التواضع. كل ما سبق جعل منه شبه أسطورة وصلت حكايته الى كل بيت في القطاع بل وفي فلسطين، والاهم من كل ذلك الارباك والحيرة والتخبط الذي تركه داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية وفي دوائر مخابراتها. كان الامساك به حياً أو ميتاً حلماً يراود كل المسؤولين في المخابرات والمؤسسة العسكرية الاسرائيلية، وعندما تحقق لهم ذلك، وبعد التأكد من جثمانه نصبوا حلقة الرقص على جثته وجثث رفاقه الذين سقطوا بعد معركة حامية استعملت فيها القنابل اليدوية واستمرت وقتاً طويلاً بعد وقت أطول من التفتيش الدقيق، فقد كان وكره كوكر الذئب الجريح، لا أبواب ولا نوافذ. يربض نهاراً ويخرج ليلاً، الليل الذي يخشاه الاحتلال فينزوي في ثكناته العسكرية تحت الحراسة المشددة في الوقت الذي كان فيه جيفارا غزة يتجول أينما يريد، ويقابل من يريد، الى درجة المشاركة في الأفراح والاتراح.
محمد الاسود (جيفارا غزة) ظاهرة فلسطينية تعكس التصميم والارادة على تجاوز كل المحن مهما كان الثمن، فهو ابن حيفا المهاجر اللاجئ الفلسطيني الذي لا يعترف به أحد في ذلك الوقت أدرك مبكراً أنه بدون وطن لا يساوي شيئا، ليس أكثر من رقم لدى وكالة الغوث الدولية، لذا لم يكن أمامه الا الانخراط في صفوف المقاومة فاختار حركة القوميين العرب التي كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احدى مفرزاتها بقيادة الدكتور الراحل جورج حبش مؤسس الحركة منذ البدايات والذي أطلق عليه الشهيد ياسر عرفات لقب (ضمير فلسطين) وكان يستحق هذا اللقب عن جدارة فقد عاش ومات من أجل فلسطين. ابن اللد الطبيب خريج الجامعة الامريكية في بيروت والذي كان باستطاعته ان يعيش في رغد وبحبوحة لكنه اختار طريقه طريق النضال، ولم تأخذه الحياة ومباهجها فتعرض لكل أشكال العسف والتعذيب والنفي من الجفر الى السجون، لكنه لم ييأس وبقي قابضاً على الجمر، جمر العودة الى اللد. وخلفه الشهيد ابو علي مصطفى ابن عرابة القائد المتفاني والمتواضع الى حد يشعرك بالخجل وأنت أمام هذه القامة الثورية العملاقة التي لم تتساهل مع الخونة حتى انه كان يحكم عليهم بحفر قبورهم بأيديهم..!
وعندما ارتفعت حدة الخلافات مع الشقيقة سوريا، تم نقل معظم مكاتب الجبهة الشعبية الى الجزائر، ولم يكن هذا سهلاً على تنظيم يعتمد كلياً على التواصل مع الجماهير الفلسطينية، لكن استقلالية القرار الفلسطيني كانت أكثر أهمية.
عاد ابو علي مصطفى الى الوطن مشترطاً ألا يخضع لأي تحقيق على المعابر وهكذا كان. مارس دوره القيادي متمتعاً باحترام واضح من الجميع حتى من الذين يخالفونه بالرأي.
شخصيته وقورة متزنة تفرض احترامها أينما حلت. اخلاق عالية ونظافة يد مشهودة، وتقدير سام لكل المناضلين بغض النظر الى أي تنظيم ينتمون.
صاروخان في وقت واحد حولا ابو علي مصطفى الى اسطورة ستبقى خالدة في تلافيف الذاكرة الفلسطينية، وهجوم مدجج بكل الاسلحة حول محمد الاسود (جيفارا فلسطين) الى اسطورة اخرى تتناقلها الاجيال، وتسردها النسوة على الاطفال قبل النوم، ليحلم كل منهم بأنه سيصبح جيفارا بعد بلوغه، يرفض الاحتلال، ويقاوم الظلم، ويستمر في قراءة سير الابطال الذين سقطوا من اجل ان نحيا نحن، ومن اجل ان تتجسد فلسطين على الخارطة حقيقة أزلية لا تسقط من الذاكرة مهما طالت السنون.

 

 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025