من قتل شجرة البرتقال الريحاوي؟
عماد أبو سمبل – اتخذها الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي شعارا لقصره الشتوي ( قصر هشام الأموي) في مدينة أريحا، حيث تتربع في غرفة خاصة ورسمت من أحجار الفسيفساء، وتغنى بها أهل المدينة وكتب عنها الشعراء حتى باتت المدينة تسمى على اسمها الى جانب العديد من الأسماء التاريخية الأخرى.
شجرة البرتقال التي كان يحتفل بها ما قبل عام 1967، في مهرجان يشارك المواطنين من الضفتين الشرقية والغربية ويستمر لمدة أسبوع، تصدح به أصوات المغنين والزجالين بشتى أنواع الغناء والزجل، فيما يتراقص العشرات على أنغام الدبكة الشعبية.
تتعرض شجرة البرتقال الى عملية قتل مع سبق الاصرار والترصد، تحت أعين المسؤولين، وسط صمت مطبق، فيما تختفي بساتين البرتقال في اريحا عاما بعد عام، ويحل محلها كتل من الاسمنت، اما منازل واما مشاريع صناعية او غيرها من المشاريع.
وقال المهندس احمد الفارس مدير مديرية زراعة أريحا والأغوار للحياة الجديدة «ليس لنا أية صلاحية داخل حدود البلدية، وليس لدينا أية صلاحيات لوقف أية عملية ازالة للأشجار على اختلاف أنواعها ما دام العمل داخل حدود البلدية».
وأضاف الفارس «نتمنى أن يكون لنا أي دور في ذلك للحد من القتل الجائر لهذه الشجرة التي ارتبط بها اسم المدينة، ومغيرها من الأشجار التي باتت تقتلع من اجل البناء أو من اجل اقامة المشاريع الأمر الذي أدى الى تراجع الرقعة الزراعية، الى جانب أسباب أخرى».
وأوضح الفارس «هناك عزوف من قبل المزارع عن زراعة شجرة البرتقال واستبدالها بالنخيل كون شجرة البرتقال يصل العائد منها فقط الى 30% من عائد شجرة النخيل».
وأضاف «الى جانب شح المياه والجفاف الذي أدى الى ارتفاع نسبة الملوحة في الأرض الأمر الذي لا يناسب هذه الشجرة، الى جانب الضخ الجائر من قبل المستوطنات من الآبار الأمر الذي أدى الى ارتفاع نسبة ملوحة المياه الجوفية».
وقال الفارس «تراجع زراعة البرتقال والموز أيضا حقيقة لا يمكن انكارها، حيث ان مساحة الأراضي المزروعة بالموز كانت تقدر بحوالي 5000 آلاف دونم واليوم فقط 500 المساحة المزروعة، وعلى سبيل المثال كانت قرية العوجا مليئة ببساتين الموز واليوم اختفت بسبب جفاف نبع العوجا، وبالمثل شجرة البرتقال، حيث كانت المساحة المزروعة تقدر بحوالي 2500-3000 دونم واليوم هذه المساحة لا تتعدى أيضا 500 دونم».
وأوضح الفارس «ساهم منع الأسمدة من قبل سلطات الاحتلال والسماح بأنواع الأسمدة التي ترفع نسبة الملوحة في الأرض بشكل أو آخر في تقليص رقعة شجرة البرتقال».
وحول تشجيع وزارة الزراعة لزراعة هذه الشجرة أسوة بشجرة النخيل قال الفارس «تقوم وزارة الزراعة ومن خلال خطة (فلسطين خضراء) بتوزيع الأشجار على المزارعين بالمجان ومن ضمنها أشجار الحمضيات, أصبح هناك اقبال ولكن ليس بالشكل المطلوب».
وقال عدد من المزارعين للحياة الجديدة «السبب الرئيس وراء هذا العزوف عن زراعة هذه الشجرة بكافة أصنافها هو قلة المياه واستبدال الأراضي الخصبة التي كانت مزروعة بالحمضيات بالمنازل».
وأضافوا «يتحمل الأسباب المسؤولين ذوي العلاقة بهذا الأمر، بدءا من بلدية أريحا ووزارة الزراعة ودوائر الأراضي، ويجب أن يسن قوانين تحمي هذه الأراضي الخصبة».
وقال جودة اسعيد نائب رئيس بلدية أريحا للحياة الجديدة «شجرة البرتقال (الحمضيات) بشكل عام والموز هما هوية مدينة أريحا، حيث ارتبط اسم المدينة بالبرتقال، والتي كانت تنتج بكميات كبيرة حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي».
وأضاف اسعيد، شجرة البرتقال للأسف ظلمت وشبه انقرضت حيث تقلصت المساحة المزروعة بها من 3500 دونم الى 500 دونم حاليا بما فيها الأشجار المزروعة في الحدائق المنزلية، وهذا حصل بسبب عدم وجود قانون يمنع استخدام الأراضي الزراعية في أغراض البناء».
وأوضح اسعيد «حاليا وبعد الانتهاء من المخطط الهيكلي للمدينة والذي نفذه الايطاليون بدعم من السلطة الوطنية، استطيع القول انه تم حماية هذه الأراضي ومنع استخدامها لغير الزراعة لا بل زادت مساحتها من 25% لتصل الى 45%، كما تم المحافظة على المناطق الريفية وحدد البناء فيها بنمط البناء الريفي للحفاظ عليها».
وأشار اسعيد «بالمقابل هناك أسباب رئيسية أخرى وراء انقراض شجرة البرتقال الريحاوي وهي مواسم الجفاف التي نعيشها والتي أدت الى ارتفاع نسبة الملوحة في الأرض اضافة الى أن الآبار الارتوازية أيضا ارتفعت فيها نسبة الملوحة».
وأوضح اسعيد «اتسعت رقعة المدينة لتضم 70.000 ألف مواطن يعيشون في مدينة أريحا, في حين أن عدد سكان المدينة الدائمين هم فقط 22.000 ألف، وهذا الأمر اجبر بلدية أريحا على تزويد هؤلاء السكان بالخدمات ومنها مياه الشرب الأمر الذي اثر أيضا على المياه المخصصة للزراعة».
وأشار اسعيد «الى أن هناك أيضا أسبابا أخرى وهي عزوف المزارع عن زراعة هذه الشجرة والانتقال الى المزروعات المربحة مثل النخيل والتي لا تحتاج الى الكثير من المياه وتتحمل المياه المالحة، واستطيع القول «انه تم تعويض شجرة الحمضيات بشجرة النخيل التي أقدم المزارع على زراعتها بكثرة حيث تضم المدينة في جنباتها حوالي 90.000 ألف شجرة نخيل لم تكن مزروعة سابقا».
وأكد اسعيد «اضافة الى منافسة المنتج الاسرائيلي لهذا الصنف الذي يصل الى السوق بسعر اقل تكلفة من المنتج الفلسطيني وخاصة في الحمضيات والموز».
قتل شجرة (البرتقال الريحاوي) مع سبق الاصرار والترصد جاء أمام أعين كافة الجهات ذات العلاقة وعلى رأسها بلدية أريحا ووزارة الزراعة، لغياب القوانين في بلدية أريحا التي تحمي المساحات المزروعة بهذه الشجرة، في ذات الوقت لم تتح القوانين المعمول بها في المدينة لوزارة الزراعة لحماية شجرة البرتقال، في ذات الوقت شجعت وزارة الزراعة على زراعة شجرة النخيل وتخلت على شجرة البرتقال التي ارتبط اسم أريحا بها.