لم نعد نعرف إلى أين نحن ذاهبون - رمزي النجار
تخوين .. تشكيك .. تطاول .. تحريض .. مزاودة .. اشاعات .. اكاذيب .. وغيرها من الكلمات التي نسمعها من هنا وهناك في لغة خطابات وتصريحات وكلام الساسة والقادة والمحللين وغيرهم خلال تلك المرحلة المفترض فيها بناء جسور الثقة على أمل في غد أفضل يجمع أبناء الشعب الواحد على حلم العيش الكريم والكرامة والحياة بعزة، جميعها كلمات من السهل النطق بها من قبل أصحاب النفوس المريضة، ولكن أن تخرج من أفواه عدد من القيادات الفلسطينية تحت شعار الحق في حرية النقد والعمل السياسي فتلك مصيبة، والمصيبة الأكبر أن يتم تداول تلك الكلمات من عامة الناس في زمن تساوى الليل بالنهار، إنها لغة هدامة لا تبشر بمستقبل واعد، لغة تهدر وتحطم العلاقات الانسانية الحميمة إن كان لها في الأصل وجود، توقعنا أن يكون مسار العقلاء من قياداتنا يؤدى إلى وحدة حقيقية، إلا أن مسار وأداء عدد من القيادات الفلسطينية لم يكن على المستوى المنتظر والمأمول، وهل هذا المسلك يقودنا للأمام؟ هذا ما يمكن أن يحكم عليه الناس الآن.
لقد تجاوز البعض حرية النقد المسموح بها وفقاً للقانون وفي حدوده، والاتجاه نحو التمسك بالنقد السلبي السيئ غير العقلاني الذي لا يعتمد على حقائق وإنما فقط تكهنات وظنون والاستهزاء والتجريح، والسب والشتم الذي ليس من ديننا ولا من أخلاقنا ولا من تربية آبائنا والدعاء على الأشخاص ليس في حدود الحرية المتاحة، ولا يمكن أن تفهم حرية النقد بأنها ضوء أخضر لأي ممارس مهما كان مستواه من الفهم أو المعرفة أو المهنية، يتكلم بكل ما يخطر على باله، سواء أساء ذلك لرموز الدولة أو المجتمع، كما انعدمت الخصوصية الشخصية في مجتمعنا، وإذا كانت العادات والتقاليد منذ نشأتها حافظت على خصوصيات الإنسان الخاصة والفردية ودعمتها بكل الوسائل المتاحة لإبقاء شخصية الإنسان قائمة ومستقرة ومستقلة ومصانة في الوجود والحياة، إلا أنه اصبح الانسان يمشي في الحياة وهو عار الروح بعد ما سقطت اسوار الحياء وتبلدت المشاعر الانسانية، ولم يعد الحق في الخصوصية الشخصية من الحقوق التي تصاحب خصوصية الإنسان منذ ولادته حتى مماته.
ترى إلى أين نحن ذاهبون؟ لقد قضى الانقسام وحب السلطة على مشاعر الانسان، وقضت لغة التخوين والتشكيك على ما تبقى من براءة الناس، حتى أكاد اشعر أن الأرض التي نمشي عليها قد ثقلت وتكاد تسقط وتتهاوى، فأصحاب النفوس المريضة في ازدياد وعدد العقلاء في انحصار، لا نريد ان ندفن رأسنا في التراب وننكر وجود أزمة أخلاق تهدد وجودنا جميعاً، وعلى الجميع ملقاة مسؤولية أمام الله والتاريخ لوضع أفكارا ومقترحات لإمكانية الخروج من هذا النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه قياداتنا وبعيداً عن منطق او لغة المزايدة.
قد لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون، لكن ربما كان مفيدا لنا أن نعرف على الأقل أين نقف الآن، وما دمنا نتساءل عن وجهة ذهابنا، فلا يجوز لنا التملص او التنصل من توجيه السؤال ذاته "الى أين نحن ذاهبون يا قيادة الشعب الفلسطيني؟" لا سيما بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني لوحدة الوطن ومؤسساته، ونقولها بوجع حقيقي وعميق، إذا أردنا أن نبني مجتمعاً حراً ومتحضرا فلابد أن نجعل من حرية النقد والحوار والتعبير أرضية أساسية للانطلاق والتغيير، وأن يكون نقدا بناءً وموضوعياً متجهاً للأفكار والممارسات، وليس نقداً يهدف للتجريح بالشخوص والأسماء، والله أننا يا قوم غارقون في الماء حتى حدود الاختناق، لذلك نحن بحاجة إلى قوانين تعاقب من يسئ استخدام تلك الحقوق والحريات المسموح بها قانونا، ولكن الاهم اننا بحاجة الى ثقافة احترام الذات، واعادة انعاش العلاقات الانسانية بين بني البشر لأننا شعب واحد اكتوى بنار الاحتلال وما زال يعاني الأمرين، وأن تبقي المصلحة العليا للوطن والشعب.