لنكسر القوالب ونوسع التحالف - جواد بولس
أجرت جريدة هآرتس الاسرائيلية، يوم الجمعة الماضي مقابلة طويلة ومميّزة مع البروفيسور زئيف شطيرنهال، كان عنوانها " علامات الفاشية في إسرائيل وصلت إلى مدى مخيف خلال عملية الجرف الصامد"، ومن خلالها قدم وصفًا شاملًا لطبيعة الحالة السياسية التي وصل إليها نظام الحكم في إسرائيل وانعكاسها على المجتمع الاسرائيلي.
خلاصة ما قاله هذه الأكاديمي الذي يعدّ من أهم الخبراء الباحثين في تاريخ نشوء "الفاشية" في أوروبا، أن الاحتلال كان وسيبقى مصدر الآفات القاتلة والمفاعل الأهم الذي يسبب هدم جميع القيم الانسانية، وأن اسرائيل هي دولة " أبرتهايد" بامتياز، ونظام الحكم فيها يقترب من فاشية مكتملة خالصة.
علاوة على المضامين المهمة التي تحدّث فيها، هناك رمزية خاصة تتعلق بسيرة زئيف شطيرنهال الذاتية والتي تضيف، للأبعاد العلمية التي اعتمدها في توصيفه لخطورة الوضع المستشري في اسرائيل، نكهةً يهوديةً خاصة، لكنّها بطعم آخر، فهو من مواليد بولندا. كان قد فقد أمّه وأخته في تصفيات النازيين، بينما نجح هو بالهرب في رحلة شاقة ومثيرة. يعتبر من أهم من درس ودرّس تاريخ الحركات الفاشية، وحاول مرارًا إسقاط خلاصات ما توصل إليه في هذا المجال، على حالة المجتمع الاسرائيلي ونظام الحكم القائم. في أيلول عام 2008 أصيب في رجله جرّاء انفجار عبوّة ناسفة وضعت على باب بيته في القدس، قام بوضعها مجرم يهودي اسمه "يعكوف طايطل"، الذي اعتقل، وأدين بقتل عربيين، ومحاولة قتل شطيرنهال لكونه يساريًا، يحب العرب ويكره إسرائيل.
ربما ليست هناك حاجة لتذكير الضحايا بما دفعوه وما زالوا، من أثمان في رحلة العذاب والبقاء. فنحن العرب الباقون على تراب وطننا، عانينا ظلم ذوي القربى، وعانينا أكثر من سياسة حكام اسرائيل الذين استوعبوا منذ لحظات الولادة الأولى، أن بقاء أقلّية فلسطينية في ديارها سيصبح أهمّ البراهين على فشل تحقيق حلم الحركة الصهيونية- كما رسمه أباؤها، وخططوا لتنفيذه مع أعوانهم من غرب وعرب وعجم. وفي الواقع ما زال هناك قادة في إسرائيل يحلمون بازالة "الخطر الوجودي العربي من داخل الدولة اليهودية"- كما يصرحون صباحَ مساء.
كان شعارنا في سبعينيات القرن الماضي يَعِد بأن الفاشية لن تمر. رددناه في جميع تظاهراتنا ومواجهاتنا مع قطعان اليمين وأوباشه. وكنّا نؤكد أن استمرار الاحتلال سيؤدي الى هدم جميع منظومات القيم الانسانية التي تحمي المجتمعات البشرية من سقوطها في عالم الظلمة والتوحش. ويؤدي بالضرورة، إلى نشوء نظام حكم فاشي وممارسات أبرتهايدية بطبعة أكثر سرطانيةً وتشويهًا.
ما تشهده الحالة الاسرائيلية، على جميع جبهاتها، يحمل من القرائن والدلائل ما يكفي لنتحقق، آسفين، أننا كنا صائبين؛ فها هو الاحتلال يتحوّل إلى حالة مستديمة تمارس فيها الدولة المحتلة أبشع صنوف القهر والتنكر لانسانية الفلسطيني وسحقها، وفي داخل إسرائيل يتشكل نظام فاشي، ومجتمع يعيش حالة تحلل قيمي شاملة تقرّبه من عوالم الغاب وقواعده.
"احذروا، منزلق خطر"- تحت هذا العنوان كتبت منذ سنوات، وها أنا أعود محذّرًا ممّا يقلقني ويقلق الكثيرين مثلي؛ فما نشهده جاريًا ومتفاعلًا بيننا يستوجب كسر القوالب والتفتيش عن أساليب نضال مبتكرة وحكيمة عساها تجدي في التصدي لهذه الوحوش المنفلتة، والتي صارت تشاركنا ساحاتنا وشوارعنا وتحرمنا الطمأنينة والراحة والهدوء.
الكنيست تحوّل إلى مفقسة للقوانين الفاسدة، الأجهزة التنفيذية، على جميع مستوياتها وفي طليعتها الوزراء ورئيسهم، لا يخفون مواقفهم وما يسعون اليه: "تهجير أو تدجين وتفتيت يحوّلنا إلى رخويات بزّاقية"، السلطة القضائية فقدت استقلالها وثقتها، وشرعت تنصهر بوتائر سريعة وتكمل قطعة الفسيفساء، التي لا مكان فيها للعرب ولا حتى كرقعة على زاوية منسية.
في 19/12/2009، بعد أن قرر المستشار القانوني لحكومة اسرائيل أن يقدّم لائحة اتهام بحق النائب، في حينه، سعيد نفاع، وبعد ان كان قد قدّم، قبلها، لائحة اتهام بحق النائب محمد بركة، وقبلهما بحق الشيخ رائد صلاح، كتبت مقالًا بعنوان 1+1+1=1، قاصدًا القول، إنه ووفقًا لقوانين النظام العنصري الاسرائيلي، فعربي زائد عربي زائد عربي يساوون عربيًا واحدًا، وليس ثلاثةً كما في الحساب وقوانينه.
واليوم قد نضيف لتلك المعادلة واحدًا اضافيًا وستبقى النتيجة دون تغيير؛ فالتحقيق مع النائبة حنين زعبي قرار خطير ومستفز، ويشيرإلى إمعان المؤسسة الاسرائيلية في محاربة ممثلي الجماهير العربية بجميع الوسائل الترهيبية والقمعية.
ولكن أشد ما آلمني في هذه المسألة والمشهد، هو ذلك المنظر للنائبة الزعبي وهي محاطة بعشرات من الغوريلات التي تشبه رجالاً من الشرطة، والنائبة في وسطهم وحيدةً تصرخ لتردهم عنها، ومن وجهها يتطاير غضب، وفي عينيها دمعة أخفتها عن عزة وكرامة. كان المشهد مستفزًا وقاسيًا، فمعه وقفت على حدود أرض اليباب والغطرسة والعجز.
فليبق العمل الشعبي والجماهيري القائم، ولكن في تقديري، لن يكون هناك مفرّ من كسر القوالب القائمة وإقامة أجسام/ لجان عابرة للأحزاب والحركات الموجودة. أجسام تعمل وفق منهجية مهنية مدروسة ومتفق عليها ضد الممارسات الفاشية اليومية ورصدها بشكل ميداني وهادف، وعرضها على جميع الجهات والمستويات المحلية والدولية، ومتابعتها بعيدًا عمّن سيسعى لترصيدها في صناديقه الحزبية الصغيرة.
لن ينجح كل ذلك بدون مشاركة واضحة غير مشروطة مع كل يهودي يؤمن أن الاحتلال الاسرائيلي سم وسرطان، وأن الفاشية وحش يراوح على حافة فراشنا ويجب التصدي له.
ولهذا، فزئيف شطيرنهال هو حليف طبيعي لنا، نحن عرب هذه البلاد، واقامة جبهة مع أمثاله، وإن كانت أعدادهم قليلة، ضرورة من ضرورات العمل السياسي الناجع، الذي قد يخرجنا من أرض اليباب ومن حالة عجز، إن استمرت ستجعلنا دائمًا نخفي دموعنا عن عزة وكرامة وعلى أمل.