الرقص والرسم.. علاج لإخراج أطفال غزة من وضعهم النفسي
زكريا المدهون
تراقص أطفال من مختلف الأعمار يرسمون على وجوههم أزهارا وأشكالا فنية، محاولين الخروج من الحالة النفسية التي يمرون بها نتيجة العدوان الإسرائيلي، وذلك في قاعة مركز حيدر عبد الشافي التابع لجمعية الإغاثة الطبية شمال قطاع غزة.
في منتصف القاعة وقف المرشد النفسي بشير كلوب، وتحلقت حوله مجموعة كبيرة من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين العامين والعشرة أعوام، وبدأ بالغناء والرقص معهم بصوت مرتفع.
وقال كلوب لـ'وفا': 'هذا النشاط يأتي ضمن التفريغ النفسي، وهو نوع من الفرح والعلاج في نفس الوقت'.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة 'يونيسيف': 'تظهر على حوالي 400.000 طفل أعراض الضائقة النفسية، والتي تشمل التبول اللاإرادي، والتشبث بالوالدين، ورؤية الكوابيس، وهم بالتالي يحتاجون إلى دعم نفسي- اجتماعي'.
ويشكل عدد الأطفال دون سن الثامنة عشرة نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة.
وفي ركن آخر من المركز، انشغلت المرشدة النفسية والاجتماعية نائلة عيسى، بالرسم على وجوه الأطفال، قائلة: 'نحاول قدر المستطاع إخراج هؤلاء الأطفال وجميعهم من مناطق الشمال ومراكز الإيواء من الوضع النفسي الذين يمرون به بسبب العدوان الإسرائيلي'.
وأضافت: 'الأطفال خائفون جدا، وبالتالي يعانون من حالات نفسية مثل: الاكتئاب والخوف من الأصوات المرتفعة والتبول اللاإرادي والكوابيس الليلية'.
وتابعت عيسى: 'نقوم بمعالجة هؤلاء الأطفال بالرسم على وجوهم بألوان الماء وتقديم ألعاب ترفيهية ومسلية لهم عن طريق مهرجين، وكذلك جعلهم يرسمون على الورق'.
وأشارت إلى الصعوبات التي يواجهونها في البداية من بعض الأطفال الذين يرفضون الاندماج مع زملائهم، منوهة الى أن الكثير من الأطفال في البداية كانوا يرسمون صورا تعبر عن الواقع الذي يعيشونه مثل القصف وهدم البيوت والطائرات والشهداء.
وبلغ عدد الأطفال الشهداء خلال العدوان الاسرائيلي أكثر من 400 شهيد وآلاف الجرحى.
الطفلة رهف أبو العوف (خمس سنوات) حضرت من عزبة عبد ربه شرق جباليا برفقة جدتها الى مركز حيدر عبد الشافي لتلقي العلاج الجسدي والنفسي.
تقول الطفلة ببراءة: 'قصف بيت جيراننا، أنا خفت كتير وهربت إلى الغرفة التانية'.
وهنا تدخلت جدتها وقالت: 'رهف تعاني من السخونة الناتجة عن الخوف من شدة القصف'، مشيرة إلى أنها أحضرتها الى المركز للعلاج الجسدي والنفسي.
وأضافت، 'تعاني رهف من الأصوات المرتفعة ومن الكوابيس والأحلام المزعجة أثناء النوم'، لافتة الى أن أسرتها تقدم لها الدعم النفسي والرعاية للخروج من حالاتها.
من جهته، قال المدير الطبي للمركز الدكتور غسان الخطيب: 'منذ بداية العدوان يتوافد الى المركز يوميا مئات المواطنين وأطفالهم لتلقي العلاج الجسدي والنفسي'.
وتابع لـ'وفا'،'ضاعفنا عدد الأطباء والأخصائيين لتلبية احتياجات سكان الشمال والتخفيف عنهم'، منوها الى عدم وجود أماكن للعلب والترفيه للأطفال.
وأوضح الخطيب، أنهم يقدمون العلاج والدواء بشكل مجاني، مضيفا الى أن أغلب الأطفال يعانون وضعا نفسيا صعبا جرّاء العدوان، ونحاول قدر المستطاع مساعدتهم.
الطفل رضا أحمد (9 أعوام)، جلس على كرسي متحرك يغني وينشد بأصوات مرتفعة والفرحة مرسومة على شفاهه.
وقال: 'أسكن في منطقة الفاخورة وقد تحطمت نوافذ بيتنا من القصف الاسرائيلي، وهربنا من القصف الى دار عمي، مشيرا الى أنه يخاف من القصف والأصوات المرتفعة'.
وقال مسؤول صحة الطفل في الاغاثة الطبية الدكتور وائل أبو عون: 'يصاب الأطفال بصدمة مباشرة نتيجة استشهاد أحد أفراد الأسرة أو الجيران ومشاهدته لهم، وهناك صدمة غير مباشرة'.
وأضاف، 'قمنا في الإغاثة الطبية بتدريب طواقم وكوادر على التدخل النفسي والعلاجي للأطفال من خلال اللعب والعلاج بالتمثيل'.
وتابع أبو العون: 'نقوم بدمج اطفال يعانون من صدمات نفسية مع زملائهم الأصحاء، لإخراجهم تدريجيا من الحالة التي يمرون بها، مضيفا أنهم يعقدون جلسات تفريغ نفسي فردية وجماعية للأطفال المصابين بالصدمة.
وأوضح أبو عون أن حوالي 150 طفلا يترددون يوميا على المركز، مشيرا إلى أن المشاكل النفسية وآثارها لم تظهر بعد، وهي تراكمية، وستتوسع في المستقبل إذا لم يتم علاجها.
وتقول الطفلة وفاء ياسين (10 أعوام): 'إنها تخاف من النوم في العتمة'، مشيرة إلى أنها شعرت بالخوف الشديد بعدما قصفت الطائرات بيت جيرانها.