قائد غولاني .. يروي مشاهداته في جحيم "الشجاعية" !!
*انها أصعب معركة عرفتها في حياتي العسكرية على مدى 25 عاما!!
* انفجرت قربنا قذيفة مدفعية انضمت هي الأخرى إلى الفوضى الجهنمية في المكان!
* انك لا ترى "المسلحين"بالعين المجردة، فهم يفرون عبر أحد الأنفاق ليخرجوا من مكان آخر!
* "لم يكن بإمكان توقع حجم الجحيم الذي واجهناه هناك .. عاد جنودنا من الشجاعية وهم يلعقون جراحهم".
"إنها أصعب معركة عرفتها طيلة خدمتي العسكرية التي امتدت على مدى 25 عاما، وتماماً مثل معركة بنت جبيل في جنوب لبنان".
بهذه الكلمات تحدث قائد لواء غولاني الذي أصيب في بداية العدوان على غزة لعدد من ضباط الجيش الاسرائيلي المواجهة مع المقاومين في الشجاعية.
وتحدث قائد غولاني عن الصدمة التي عاشها الجنود والجحيم الذي واجهته القوات المهاجمة. وقال "إنها أصعب معركة عرفتها طيلة خدمتي العسكرية التي امتدت على مدى 25 عاماً، وتماماً مثل معركة بنت جبيل في جنوب لبنان ستدخل معركة الشجاعية تاريخ لواء غولاني الذي ورغم معرفته بحجم ونوع قوات المقاومة الفلسطينية المرابطة في حي الشجاعية، إلا انه لم يكن بإمكان احد ان يتوقع حجم الجحيم الذي واجهناه هناك على بعد مئات الأمتار فقط من مستوطنة ناحل عوز، حيث قاتل مئات الجنود الذين تخلى بعضهم عن إجازتهم التي تسبق التسريح من الخدمة ليشارك في القتال ليعودوا من الشجاعية وهم يلعقون جراحهم".
وكانت قوات الاحتلال اختارت لواء غولاني لتنفيذ هذه المهمة لرغبة جيش الاحتلال بإنهاء المرحلة الأولى من العملية البرية بسلاسة وبعدها يدخل في معركة أساسية ضد أقوى كتائب "حماس" في تلك المنطقة، لكن أجل لواء غولاني ثلاث مرات متتالية الشروع بالمعركة "تنفيذ إجراء المعركة " ليرتد على أعقابه وينسحب إلى منطقة التجميع بناء على تعليمات القيادة، حتى جاء يوم السبت قبل شهر تقريباً وكان الجنود على قناعة بأن المعركة ستؤجل هذه المرة أيضا ولكنها بدأت بالفعل.
وقال أحد الجنود الذي أطلق عليه الاسم الرمزي "ف" وهو مقاتل في إحدى كتائب لواء غولاني "في المرة الأولى لم يكن واضحاً لنا سبب تأجيل الدخول البري لكن في المرة الثالثة قالوا لنا بأن هناك معلومات استخبارية تفيد بأن عدد المدنيين الذين تركوا الحي غير كاف، وبعد ذلك لم نتأثر من أي شيء لقناعتنا في كل مرة بأنهم سيؤجلون الدخول رغم إصدارهم الأمر بالاستعداد، وفي يوم السبت تم تجميع الجنود مرة أخرى وذلك تمام الساعة 9:30 بعد خروج السبت أي 48 ساعة بعد بداية العملية البرية، شرع جنود ثلاثة كتائب هي " 12، 13، 51 " باجتياز حدود غزة مقابل ناحل عوز سيراً على الأقدام وباستخدام المدرعات، وبعد عدة ساعات انضم للقتال جنود وحدة "أغوز" وكتيبة رأس حربة لواء غولاني "سيور"، وكان غالبية الجنود داخل مركبات مدرعة فيما تدبر البعض أمره سيراً على الأقدام وبدأنا بالتقدم بعد قوات المدرعات التي سبقتنا وتقدمت قبلنا بقليل".
واضاف الجندي "ف" "في المنطقة التي تسلل منها (المقاومون) قرب مستوطنة ناحل عوز اجتزنا الحدود من البوابة رقم 84 كما اذكر، حيث يقع قبالتها برج المراقبة "بليبوكس" الذي هاجمه (المقاومون)" ومن هناك دخلنا الشجاعية ومرت دقائق طويلة قبل أن نتعرض للهجوم الأول، حيث ركض احد (المقاومين) " باتجاه رتل تابع للكتيبة رقم "12 " وحاول تفجير عبوة ناسفة في احد المركبات المدرعة وذلك على مسافة 400 م من خط الحدود لكنه قتل بعد ان أُطلقت عليه نيران الرشاش الثقيل وتم تأكيد قتله من خلال إلقاء قنبلة يدوية عليه، وكلما تقدمت القوات عبر المسارات والطريق التي شقتها من أجلها قوات الهندسة ازدادت الهجمات الفلسطينية، وقد عرف الجيش بأن أي تحرك على محاور الطرق المعروفة يعني مأساة، وذلك لأن (المقاومين) زرعوا منذ سنوات عبوات ناسفة ضخمة على هذه المفترقات والطرق لكن يبدو أن "حماس" توقعت أيضا خطة الجيش القائمة على شق طرق ومسارات جديدة واستعدت بقوات كبيرة لإغراق القوات المهاجمة بالنيران.
وقال: اخبر الجيش الجنود مباشرة وعبر لوحات الإعلانات الخاصة بأن الشجاعية تشكل معقل "المقاومة " وحصناً استراتيجياً بالنسبة لهم وهي بوابة الدخول للمدينة السفلى "الأنفاق" التابعة لـ "حماس" وكان هدف العملية تدمير تجمع الأنفاق الكبير المتجهة نحو إسرائيل والقتال بين البيوت المرتبطة بها، حيث تم إخفاء الصواريخ والوسائل القتالية إضافة لمسجدين من القرن الرابع عشر تم استخدامهما كمخزن للصواريخ وساتر لإطلاقها باتجاه إسرائيل حسب رواية قوات الاحتلال.
تدمير ناقلة الجند
وأوضح الجندي الإسرائيلي "في أول ليلة وفور دخولنا للمنطقة ووصولنا لأهدافنا، واجهنا مقاومة قوية، وحين وصلنا للمنزل الذي كنا نريد تمشيطه وأن نحوله الى نقطة مراقبة ورصد لمراقبة احد المحاور خرج قائد السرية من المصفحة "النمر" خلال مواصلة إطلاق قذائف الدبابات باتجاه المنازل المشرفة على المبنى الذي نستهدفه، فيما بقي بقية افراد القوة في الخلف ينتظرون قيامه بتفجير جدار المبنى والدخول إليه، وكان من المفترض بنا أن نترجل خارج المدرعة "نمر" بعد انتهاء قائد السرية والجنود المرافقين له من عملية تمشيط وتأمين الطابق السفلي من المبنى، ولكن في الثانية التي همً بها دخول المبنى أصيب الطابق السفلي من المنزل بصاروخ وفتحت باتجاهنا نيران القناصة والصواريخ المضادة للدروع، حينها عدنا إلى داخل المدرعات وكانت دقائق طويلة من إطلاق النيران الثقيلة باتجاهنا تحت ستار الظلام .. نيران أسلحة خفيفة ورشاشات وصواريخ مضادة للدروع وآر .بي. جي.
02
02
وقال "يبدو أن البيانات التي وزعها الجيش قبل دخول الشجاعية ساعدت (المقاومين)على الاستعداد وتجهيز أنفسهم، ويبدو أن قوة الضربة الإسرائيلية الأولى لم تكن كافية لإرغام (المقاومين) المنتشرين فوق الأرض على النزول أسفل الأنفاق، وهنا أطلقت الدبابات القذائف فيما أطلق الجنود نيران أسلحتهم المختلفة بهدف إجبار مقاتلي "حماس" على التراجع، لكنك لا ترى "المسلحين " ولا يمكنك ملاحظتهم بالعين المجردة، فهم يفرون عبر أحد الأنفاق ليخرجوا من مكان آخر، والبيت الذي كنت تعتقد قبل لحظات بأنه "آمن" يقد يمتلئ فجأة بهم، ونحن بكل بساطة نحاول أن نفهم ما يجري بالضبط.
وقتل في اشتباكين 8 جنود من الكتيبة رقم 13 بينهم "ارون شاؤول" وأصيبت في الاشتباك الأول مدرعة من طراز m113 نتيجة قذيفة اربي جي أطلقت عليها بدقة كبيرة اخترقت المدرعة ووصلت إلى قلبها لتقتل 7 جنود كانوا داخلها، وعلى مدى ساعات طويلة حاول مقاتلو "حماس" رغم النيران الثقيلة التي اطلقها الجيش من البر والجو والمدفعية والدبابات الوصول إلى المدرعة المصابة والمشتعلة لاختطاف جثث الجنود القتلى، وبالتوازي مع ذلك تعرضت قوة تابعة للكتيبة 13 لهجوم من قبل خلية "مخربين " خرجت من احد الأنفاق وقتل خلال الاشتباك الجندي "شون كرملي" بعد أن أصابته رصاصة في رقبته وأصيب جندي آخر" .. قال الجندي "ف".
ورافقت حالة عدم اليقين وإطلاق النيران الثقيلة أيضا دخول جنود وحدة "ايغوز" الذين سمعوا عبر اللاسلكي التابع للواء عن مأساة المدرعة وعن الاشتباك العنيف جداً الدائر في المنطقة دون ان يفهموا بالضبط الحجم الحقيقي للمعركة الدائرة.
وقال الجندي "ن" احد جنود وحدة "سيرت" التابعة للواء غولاني اجتزنا نحن وجنود وحدة "ايغوز" الخاصة "الحدود بعد ان سمعنا عن المعركة عبر جهاز اللاسلكي التابع للواء دون ادراك حجم المعركة الدائرة قبالة "كفار عزا" مستخدمين مدرعات من طراز "النمر" وكانت الساعة حوالي الرابعة صباحاً وتعرضنا لهجوم قوي بنيران ثقيلة، ودخلنا إلى احد المنازل لكن أطلقت علينا النار من جميع الاتجاهات، لقد أطلقوا علينا النار من داخل المنازل وبدأت البيوت القريبة منا بالانفجار واشتعلت فيها النيران، وحين دخلت قوة عسكرية إلى احد المنازل عاجلها مقاتلو "حماس" فوراً بقنبلة يدوية تصدر الدخان الملون وذلك حتى "يحددوا المنزل المقصود " وبعد ثوان فقط من هذه القنبلة فتحت نار جهنم على القوة".
وفي معركة أخرى خاضها جنود وحدة الهندسة فتح "الفلسطينيون" ناراً ثقيلة باتجاه القوة وقتل أثناء الاشتباك "مقاومان" فيما أصيب جنديان بجراح خطيرة جداً وأعلن مقتلهم حتى قبل وصولهم إلى مروحية الإنقاذ، وفي حادثة أخرى خرج قائد الكتيبة برفقة ضباط كبار من الكتيبة ذاتها من احد المنازل، حيث كانوا يتحصنون داخله واستخدموه كنقطة مراقبة قيادية بهدف تمكين القادة من دراسة الميدان ووضع الخطط القتالية، وهنا رصد خلية من (المقاومة) قائد الكتيبة والضباط وبدأت بإطلاق نار واسع وشديد باستخدام قذائف الهاون، ما أدى إلى مقتل نائب قائد الكتيبة "بار اور" وضابط العمليات "تسفيكا كابلان" فيما أصيب قائد الكتيبة وجندي الاتصال التابع له بجراح خطيرة جدا، كما قبل ضابط آخر وأصيب 13 جندياً أثناء محاولتهم إنقاذ الضباط وقائد الكتيبة من نار جهنم التي صبت على رؤوسهم".
وأضاف الجندي "ن" قتل قائد قوة الإنقاذ وأصيب 13 جندياً آخرون نتيجة سقوط قذيفة هاون بشكل مباشر، وهنا بدأ الجنود بإخلاء القتلى والجرحى من المكانين الأول والثاني، وفي هذه الأثناء انفجرت قرب القوة قذيفة مدفعية إسرائيلية انضمت هي الأخرى عن طريق الخطأ إلى الفوضى الجهنمية السائدة في المكان، لقد كانت بكل تأكيد قذيفة من مدفعيتنا، لقد رأيتها على الارض مع كتاباتها العبرية، لقد حالفنا الحظ الكبير ونجحنا بإخلاء الجرحى وعلاجهم ومن ثم واصلنا الهجوم على البيوت واقتحامها، وكان احد البيوت الذي خرج منه "مخربون " بشكل دائم يبدو في محاولة لجذبنا وجرنا إليه مفخخاً بأسطوانات الغاز واقتحمناه عبر الجدار لكن انتظرنا داخله عددا من "المقاومين" الذين فتحوا علينا النار ونجحنا بقتلهم بعد تبادل للنيران لكن انفجار أسطوانات الغاز قذف المنزل في الهواء.
وبعد يوم واحد من دخول الشجاعية تحركت قوة تابعة لوحدة "ايغوز " نحو احد الأهداف وتورطت في اشتباك عنيف قتل فيه 7 مقاومين وجنديان من الوحدة، فيما أصيب قائد الوحدة وهو برتبة عقيد بجراح خطيرة، وفي حادثة اخرى قتل جندي آخر من وحدة "ايغوز".
المدفعية والمخاطر
ووفقاً لأقوال ضباط كبار لم تكن الضربة الإسرائيلية الأولى بواسطة الطائرات والمدفعية قوية بما يكفي، وبقي مقاتلو "حماس" تحت الأرض دون أن يمسهم أذى ليبدأ العشرات منهم تمام السادسة صباحا أي بعد ساعات من الدخول البري في شن هجمات منسقة ومتزامنة ضد جنود لواء غولاني من مسافة لا تتعدى عشرات الأمتار، مطلقين وابلاً كثيفاً من الصواريخ المضادة للدروع ونيران القناصة.
وقال ضابط كبير في سلاح المدفعية إن ضربة المدفعية الأولى التي وجهت للشجاعية لم تستجب لاحتياجات القوات، لهذا كان بإمكاننا أن نستمع عبر أجهزة الاتصال إلى صرخات الجنود والضائقة التي وجدوا أنفسهم فيها، وهنا صدرت الأوامر للجنود بضرورة دخول السيارات المدرعة والبقاء فيها نصف ساعة فتحت خلالها ثلاث كتائب مدفعية نيرانها باتجاه مواقع تمركز الجنود".
وأضاف الضابط "في تمام العاشرة صباحاً وحين أدركوا بأن غولاني دخل في كمين محكم وانه قد يتلقى خسائر أخرى صدرت الأوامر بفتح نار المدفعية بهدف إنقاذ جنود اللواء وإجبار مقاتلي "حماس" الذين أحاطوا بالجنود على الفرار، وتم لأول مرة منذ معركة السلطان يعقوب " 1982 " فتح نيران المدفعية باتجاه مناطق تواجد فيها جنود الجيش وهناك احتمال كبير جداً بأن يصابوا من نيران مدفعيتنا وذلك لقرب مسافة الاشتباك التي لا تزيد على عشرات الأمتار".
فهمنا بأن هناك (مقاومين) على مسافة 40 الى 100 متر من الجنود لذلك أطلقنا باتجاههم 600 قذيفة مدفعية بالتوازي مع غارات جوية، وذلك بعد أن طلبنا من الجنود البقاء داخل المدرعات، واستخدمنا نارا بنطاق واسع بهدف "تليين" الأهداف وقمنا بذلك بحذر شديد بعد أن تلقينا دعم ومصادقة قادة كبار، وذلك رغم احتمال إصابة قواتنا، لقد كان قراراً يمكن أن يكلفنا ثمناً كبيراً رغم تحصن الجنود داخل مدرعاتهم".
وقال: ونجح الهجوم وانسحب مقاتلو "حماس" من خط المواجهة الأول وبعد 48 ساعة من دخول الشجاعية شن الطيران الإسرائيلي هجوما عنيفا واستخدم قنابل تزن طنا واحدا ضد أكثر من 100 هدف في الحي لم تكن تبعد عن مكان تواجد الجنود سوى مسافات قصيرة جدا، حيث قال احد الجنود "خرجنا من المدرعة وبعد لحظات هاجمت طائرة احد المنازل لا يبعد عنا سوى 80 مترا ليختفي من الوجود في ثانية واحدة ".
وفيما يشبه الاعتراف بتدمير مناطق مدنية قال احد الضباط مختتما التقرير "قبل الهجوم وفي إطار الاستعدادات قلنا بأننا لن نهاجم مناطق مأهولة، ولكن تغيرت أمور بعد ذلك وحتى نتجنب حادثة الشجاعية 2 أثناء محاولة الوصول إلى الأنفاق سنضطر الى مهاجمة البيئة المحيطة، لهذا تم مهاجمة عشرات الأهداف داخل مناطق مأهولة".