هناك على سفح جبل حيدر- محمد علي طه
حدثّتُ صديقي أبا السّعيد في نهاية الأسبوع الفائت عن الوضع الصّحيّ الصّعب والمقلق لصديقي ورفيقي وأخي سميح القاسم فقال: لا تقلق. سينهض من غيبوبته كما عوّدنا. !
قبل ثلاث سنوات، والأدقّ قبل سبعة وثلاثين شهراً أيّ في الثّاني عشر من تموز 2012 اكتشف الأطبّاء المرض الخبيث في جسد شاعرنا ورسم له صديقنا البروفيسور جمال زيدان، أخصّائيّ هذا المرض، بواقعيّة العالم ورومانسيّة ابن الجرمق، حاضره وأفقه الأدنى، فقرّر أبو وطن محمّد ذو الجسد الصّغير النّحيف النّاعم أن يصمد بشجاعة ثائر، وأن يصمد بإيمان نبيّ أمام هذا العدوّ اللئيم. وما أكثر أعداءنا في هذا العصر !
يخاطب سميح القاسم المرض، بخفّة روحه المعروفة، قائلاً:
اشربْ فنجانَ القهوةِ
يا مرض السّرطانْ
كي أقرأَ بختكَ في الفنجانْ
اشربْ
ويدعوه ليلعبا معاً "تِنْس الطّاولة" كي يبرهن له أنّه لا يخافه بل يتحدّاه ولا بدّ من أن ينتصر عليه:
لعبةُ تنس الطّاولة ابتدأتْ
أضربُ وأردُّ.. وخصمي المدهشُ يضربُ ويصّدُّ
وتلعبُ نلعبُ.. والحكم الدّوليّ الوقتْ
ويصرّ سميح على النّصر على المرض وعلى الموت الذي يبغيه هذا المرض العضال:
أيّها الموتُ لا أخافك
سأمسحُ بكَ الأرضَ
مرتجفاً هلعاً
وأجعلكَ عبرة للأموات
وإذا تنازل أبو محمّد مؤقّتاً عن إهانة الموت ومسح الأرض به فإنّه يقرّر أن يطرده من داره ومن جسده "يا موتُ اتركني الآن. تفضّلْ. وارحلْ." ولماذا لا يتركه ويرحلُ فالرّجلُ لا يريده ولا ينتظره ولا يقول له "أهلاً وسهلاً تفضّل. على الرّحب. نوّرتَ يا صاحبي. شرّفت. هلّ هلالك." بل يقول له:
أنا لا أحبّك يا موتُ
لكنّي لا أخافُكْ
وأنت صغيرٌ عليّ
وبحري تضيقُ عليه ضفافكْ
أبا محمّد. يا صديقي ورفيقي وأخي الوفيّ النّديّ السّخيّ العربيّ القوميّ الوطنيّ الأمميّ، الإنسان الإنسان، يوجعني ويحزنني عذابك. ويؤلمني ألا أستطيع أن أفعل شيئاً سوى الابتهال والصّلاة للخالق كي يخفّف آلامك. سلامتك. كلّنا نحبّك ونصلّي لأجلك عدد الحروف في قصائدك. ولكن ماذا نفعل وخاطبت شطر البرتقالة الذي رحل عنّا قبل ستّ سنوات: ولولا اعتصامي بحبل من الله يدنو سريعاً، ولكن ببطء، لكنتُ زجرتُكَ: خذني معك. وخذني معك.
لا تتسرّع يا خيّا ! هناك على سفح جبل حيدر ما يستحقّ الحياة، وهناك قصيدة رائعة جميلة تنتظر قلمك.