الآثار التي لا ترى.. همسة عتاب - روز شوملي مصلح
رغم أن الوقت ما زال مبكراً للقيام بدراسات حول أثر العدوان الاسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة، لا سيما النساء والأطفال، إلا أن شدة العدوان ونتائجه من محو سجلات أسر، وفقدان معظم أفراد الأسرة، وتدمير البيوت، وتهجير السكان الآمنين، تشير إلى مدى الألم والمعاناة التي يمر بها أهلنا في غزة. ليست معايشة الحدث وحدها ما يوجع، هناك خوف مما قد يكون عليه الوضع في حال عدوان جديد، وخوف من فقدان عزيز، وخوف على الذات من الموت، أو حتى من فقدان يد أو عين أو اي جزء آخر من الجسد، وهناك الخوف من التهجير، ومن الأمراض التي تترافق مع النزوح والتهجير، والخوف من أن يأتي المخاض والقصف في أشده.
والخوف يُنظر إليه في مجتمعنا العربي، كأنه دليل جبن، رغم أن الخوف سمة بشرية. البعض يعبر عن خوفه، والبعض يخجل من التعبير. والذي لا يعبر عن خوفه، يرافقه هذا الخوف، بل يحتله. وفي العادة، وبحسب المقبول اجتماعياً، تعبر معظم الطفلات والنساء عن مخاوفهن، أما الأطفال والرجال فمعظمهم يخفي ذلك
العدوان الإسرائيلي لم يميز بين رجل وامرأة وبين طفل وشيخ، كلهم كانوا مستهدفين. وكما تقول إحدى العاملات الاجتماعيات، كل الناس في قطاع غزة بحاجة إلى تفريغ نفسي، حتى العاملين والعاملات في مجال الصحة النفسية. ومن هنا يكون السؤال، هل المدارس جاهزة لاستقبال الأطفال؟ وهل الأطفال جاهزون للذهاب للمدارس؟
بعد كل هذا الدمار، والتهجير، والموت الكثير، بحاجة الى جلسات تنفيسية للأطفال والمعلمين والأمهات. وهذا يحتاج إلى مختصين يستطيعون العمل مع الصدمات وصدمات ما بعد الحرب. هناك ظواهر معروفة للأطفال الذين يعانون من الصدمات، منها التبول اللاإرادي، النوم القلق، الانطواء أو العدوانية، الخوف، والغضب، الخجل، الكوابيس، وغير ذلك. وهذا يحتاج الى فريق يعمل مع الأطفال، ومع من يتعامل مع الأطفال من أمهات وآباء، وأساتذة ومعلمات.
معرفة الأمهات والآباء والأساتذة لظواهرما بعد الصدمة هام للتعامل مع الأطفال. كما هو هام أيضاً، معرفة كيفية التعامل مع هذه الحالات. التعبير عن الخوف ظاهرة صحية، لذلك من الضروري توفير ما يلزم لمساعدة الأطفال للتعبير عن غضبهم، وخوفهم، وحزنهم، وقلقهم. الرسم بالألوان المختلفة وبالمعجون وسيلة هامة للتعبير؛ الدراما أيضاً مهمة، خاصة في لعب الدور، أو من خلال الماريونيت/الدمى، أو من خلال قراءة القصص التي تساعد في تجاوز حالات الفقدان، والخوف، والشعور بالعجز. هناك قصص مترجمة للعربية تناولت هذه المواضيع، وفي الفترة الأخيرة، بدأ كتّاب أدب الطفل ينتبهون إلى أهمية هذه المواضيع، ويعالجونها في قصصهم للأطفال.
بعد عدوان 2008، سُجلت حالات كثيرة من التشتت والتراجع في الاستيعاب، لدى الأطفال في المدارس المختلفة، وهذا سوف يتكرر بعد هذا العدوان، لذلك علينا الانتباه، بأن يكون الأساتذة على وعي لأهمية التنفيس، ولا بأس أن تكرس المدارس أول ثلاثة أسابيع دراسية لتنفيس كل الانفعالات السلبية لدى الطلبة، والوصول معهم إلى بر الأمان- الأمل.
ثمة من يقول أنه في هذه المرحلة، يجب التركيز على الحاجات الأساسية كالغذاء والماء والمكان الآمن وسلامة الناس، لكن هناك أيضاً الأمان النفسي، الذي علينا الانتباه له فهو لا يشهر نفسه، لأنه يختبئ في مظاهر أخرى، يساء فهمها في كثير من الأحيان. ومن هنا، كانت أهمية تزويد الطفل بالقصص والفعاليات التي تساعده على تجاوز خجله من الحديث عن قلقه وخوفه والتعبير عما يشعر به.
كنت أتمنى لو أنه مع بناء الأَنفاق، تم الالتفات إلى حفر أنفاق تحمي الأطفال، وتشعرهم بالأمان، وتجنبهم كل هذا الخوف. وهنا أتذكر تجربة رياض الأطفال في المخيمات الفلسطينية في لبنان، حين بدأ التفكير في تأسيس رياض الأطفال، كان التفكير أولاً بالملجأ الذي سيلجأ إليه الأطفال في حالات القصف. وقد عملت دائرة الانشاءات التابعة لمنظمة التحرير بتزويد المخيمات بملاجئ، تم تدريب أطفال الرياض على كيفية النزول والخروج منها في حالات القصف.