الأمل وباندورا - ابراهيم عبد المجيد
طبعا سيندهش من يقرأ العنوان, هل حولنا شيء جميل حقا وقد انفتح صندوق باندورا فانطلقت كل الشرور ولم يبق به إلا الأمل الذي لا يبدو أن أحدا قادر على إخراجه. الأسطورة اليونانية تقول ان باندورا كانت أول امرأة تخلقها الآلهة وتنزل على الأرض. نزلت لتثير ضجيجا فهي ملكة جمال العالم الذي لا يوجد به نساء غيرها. أغرت بروميثيوس لكنه كان ذكيا وحكيما فلم يهم بها حبا وتجاهلها تماما. أحبها أخوه أبيمثيوس بسرعة وأصر أن يتزوجها فوافق بروميثيوس رغم قلقه عليه. عاش أبيمثيوس أياما لا توصف من السعادة. ظهر زيوس كبير الآلهة من جديد. أرسل مبعوثه هرمز بهدية للزوجين السعيدين.. كانت هذه الهدية هي صندوق مغلق. هنا ظهرت حكمة الزوج أبيمثيوس فرفض فتح الصندوق وطلب منها ألا تفتحه. ليس كل ما يأتي من زيوس سهلا وطيبا. لكن باندورا - المرأة – لم تقتنع وملأها حب الاستطلاع فراحت تلح عليه أن يفتح الصندوق. من يدري أية كنوز أو أفراح تختفي داخله. قالت إن هناك أصواتا تناديها من داخل الصندوق. أصوات تعدها بالسعادة المطلقة. والحقيقة أن الأصوات كانت تناديها من داخلها هي. تحولت حياتها إلى جحيم وهي تجلس الليل والنهار جوار الصندوق تتخيل ما يحويه. في النهاية انتهزت باندورا فرصة غياب زوجها ولم تستطع مقاومة الفضول ففتحت الصندوق. فجأة اظلمت الدنيا وخرجت أرواح شريرة من الصندوق.. أرواح يحمل كل منها اسما مرعبا مثل "النفاق" "المرض" "الجوع" "الفقر" "الغيرة" الخ الشرور. وراحت المسكينة تدور حول نفسها محاولة إغلاق الصندوق فلم تستطع.. في النهاية أغلقته بالفعل لكن بعد أن حدثت الكارثة.. صارت الدنيا جحيما. واغلقت الصندوق على "الأمل".
لماذا لم يخرج الأمل حقا مع ما خرج من الشرور. لأنه لو خرج تحقق وإذا تحقق انتهت الحياة. الحياة كلها تمضي بحثا عن أمل وكلما حققته تجدد من جديد. وفي اللحظة التي تتوقف فيها عن الأمل تستدعي الفناء. هذه هي حكمة الأسطورة الخالدة. وإن كان للحكمة وجه آخر وهو فضول المرأة الذي لا يقاوم. لكن المعنى الأكبر هو بقاء الأمل بعيدا مستعدا للخروج لكنه ينتظر من يفتح الصندوق.
أتذكر هذه الأسطورة الجميلة دائما وابتسم. هل هي باندورا حقا التي فتحت الصندوق للشرور. وماذا نسمي دولة كالولايات المتحدة الأميركية ومن تعاون معها من الدول العربية حاضنة الارهاب في السبعينيات حتى توحش وانقلب عليها. وعادت من جديد لاحتضانه. وماذا نسمي كل الدول التي من اجل مصالحها في الشرق الأوسط تبعث فيه كل الشرور التي نراها حولنا. وماذا نسمي أجهزة القمع العربية التي في النهاية ساعدت على إفراز الارهاب بعد أن سدت كل منافذ الديمقراطية. وماذا نسمي إسرائيل. صندوق باندورا صارت منه صناديق من فعل البشر يفتحونها على عالمنا العربي كل يوم. لكن صندوق باندورا يظل فيه الأمل منتظرا من يفتح له الباب. وصناديق الأشرار في عالمنا العربي خالية من الأمل مغلقة ومفتوحة. لكن صندوق باندورا هو الأصدق. درس التاريخ. أمم بادت وأمم قامت على أطلالها فما بالك بالعصابات.. هؤلاء الأغبياء لا يعرفون معنى الأسطورة. وإذا كانوا هم العمالقة اليوم فسيكونون يوما الأقزام. اللقطاء. الذكرى التي لايحب أن يتذكرها أحد.