الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم  

"فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم

الآن

سميح .. منتصب القامة يمشي - عمر حلمي الغول

 

كنت الملم احزاني الخاصة في ذكرى رحيل والدتي قبل اعوام ثلاثة خلت، وانا شاخص العينين نحو شاشات الفضائيات ألقي نظرات الألم والوداع على اشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، التي تملأ ارجاء المكان والفضاء في مدن وقرى قطاع غزة، الذين استباحتهم الطائرات والزوارق الحربية والدبابات الاسرائيلية، ولأعلن سخطي ورفضي لجرائم الحرب الصهيونية، ولعار الصمت العربي والاسلامي والدولي، ولأتلو عبر زاويتي اليومية بيان الانتصار للمقاومة والسلام والدعوة لوقف نزيف الموت ضد شعبي في آن.
بين الدهشة الاولى وانتظار الخبر جاء الاعلان عن رحيل سيد الأبجدية، شاعر الشعب والثورة والقامة المنتصبة، الرمز سميح القاسم، توأم محمود درويش ونده في مدرسة الشعر الوطنية والقومية والانسانية. 
رحل سميح القاسم، ابن الرامة الجليلية عن خمسة وسبعين عاما، التي احتضنت قبل يومين جثمانه الطاهر بعد رحلة عطاء مجيدة وغنية، أثمرت حوالي ثمانين عملا من دواوين الشعر والمسرحيات والروايات القصيرة والعشرات والمئات من المقالات السياسية والأدبية. 
كان الاديب والشاعر العربي الكبير سميح، مقاتلا شجاعا أسوة بكل ادباء وشعراء وفناني شعبنا في الجليل والمثلث والنقب وفي الاراضي المحتلة عام 1967 وفي الشتات والمهاجر، وان تميز كما اقرانه من المبدعين الرموز المتقدمين صفوف الدفاع عن الهوية والثقافة الوطنية. لا بل لعل لسميح القاسم ميزة عن غيره من شعراء المقاومة داخل الخط الاخضر بمن فيهم الشاعر العظيم محمود درويش، كونه ينتمي لعائلة فلسطينية عربية تتبع الطائفة الدرزية، التي سعت الحركة الصهيونية قبل وبعد نشوء إسرائيل على استقطاب شيوخها واستمالتهم للتعاون معها بهدف تمزيق وحدة الشعب والاأرض والهوية الوطنية، غير انه ومنذ نعومة اظفاره شب عن طوق الطائفية المقيتة، رافضاً سياسة ومخطط تمزيق النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي، وانغرس في بوتقة النضال الوطني الديمقراطي، مدافعا من خلال انتمائه لصفوف الحزب الشيوعي عن القضية والشخصية الوطنية، حاملا معول الكلمة ضاربا في حقولها المعرفية الواسعة، وان ثابر على زراعة حقل الشعر بما فاضت بها قريحته، ووسم بخصاله، لأنه ابدع واعطى فحصد رمزيته ومكانته الثقافية العالية بما انتجه من قصائد حاكت وأغنت مأساة ووحدة الشعب والأرض والقضية والثورة والأهداف الوطنية. كما حاكى القومية العربية وأحلام العرب جميعا، وانشد الانسانية وفقراءها وعمالها وفلاحيها البسطاء وكل مسحوقي الارض. 
ابن الرامة المبدع كأنه بموته المعلن، شاء التأكيد على رفض البقاء تحت سيف المرض الخبيث، ورفضه لمنطق المجزرة والمذبحة الاسرائيلية، فقرر مرفوع الهمة ومنتصب القامة ان يمشي قدما نحو ملاذه الأخير، ليسطر بموته ملحمة الشهادة مع اطفال وشيوخ ونساء وشباب قطاع غزة، وليشهر امام الكل الاسرائيلي صلة الدم والتاريخ والثقافة والهوية الوطنية الواحدة والجامعة لأبناء الشعب الفلسطيني وليتلو عليهم في بيان رحيله الأخير، ان سياسة فرق تسد، لم ولن تنجح، وستبوء بالفشل، كما فشلت سياسة سادة اسرائيل القدماء البريطانيين. وإن الفلسطينيين بتعدديتهم الدينية والطائفية والمذهبية والفكرية والمعرفية شعب واحد، لا يقبلوا القسمة على أي مبدأ يستهدف وحدتهم وتاريخهم وثقافتهم وحضارتهم العربية الاسلامية. 
استشهاد سميح القاسم، حمل مفارقة اخرى، كونه جاء مخلدا رحيل شاعر اسبانيا الكبير فدريكو غارثيا لوركا، الذي توفي في التاسع عشر من آب 1936. وكأن شاعر الشعب الفلسطيني، اراد ان يعمق التواصل مع لوركا الاسباني والثقافة الانسانية. وليعلن الانتصار للدفاع عن ارادة الانسان والمعرفة الانسانية في مواجهة غلاة رأس المال الاستيطانيين واتباع كل مدارس الفرقة الدينية والطائفية والتمزيق الوحدة شعوب الأرض. 
سميح الشاعر الرمز باق وخالد في سجل الشعب الذهبي، باق بدواوينه ومسرحياته ورواياته ومقالاته ودراساته بقيمه وتراثه الوطني والقومي والانساني. لم يمت، ولن يموت، وان شيع جثمانه الى مثواه الأخير أمام آلاف المشيعيين. باق منتصب القامة، مرفوع الهمة يمشي مع الأجيال الجديدة الى هدف الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير. باق يحاضر بيننا، ويقرض الشعر في امسياتنا، ويتلو علينا اسفار الثورة والدولة والعودة عبر حصاد السنين. 
وداعا يا جسد لوركا الفلسطيني، وسلاما على روحك الطاهرة ايها السميح حيث هي الآن... نم قرير العين، فأهلك وشعبك وأمتك ماضون جميعا الى حيث تمنيت وتتمنى، حيث حلمت وطمحت، والعابرون في تيه الأرض، لن يهدأ لهم نوم على ثرى فلسطينك فلسطيننا. 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024