انتهاك المقدسات في غزة .. جرائم حرب - حنا عيسى
عمل الاحتلال في سياسته الرامية لتدمير الحياة ودور العبادة في فلسطين على تدمير 71 مسجداً بالكامل و 200 مسجداً تدميراً جزئياً، ودمر كنيسة و12 مقبرة، بالإضافة لمدرسة شرعية و24 عقار وقفي، وست لجان زكاة، وذلك في عدوانه الأخير على قطاع غزة، علماً أن الاماكن الدينية تنطبق عليها أحكام اتفاق لاهاي لعام 1899، و1907، كما تنطبق عليها أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، والبروتوكولات التابعة لها، إضافةً إلى انطباق معاهدة لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة لعام 1954 عليها.
فقد نصت المادة 27 (4) من الملحق الرابع من اتفاق لاهاي 1907، على وجوب أن تتخذ القوات العسكرية في حال حصارها «كل الوسائل لعدم المساس بالمباني المعدة للمعابد وللفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية». كما حظرت المادة 22 من الاتفاق ذاته «ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب».
ونصت المادة 56 من اتفاق لاهاي 1954 على تحريم «حجز أو تخريب المنشآت المخصصة للعبادة... والمباني التاريخية». كما نصت المادة 53 من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 16 من البروتوكول الإضافي الثاني، لاتفاقية جنيف الرابعة 1949، على «حظر ارتكاب أي أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعب».
فقد نصت المادة 6 فقرة ب، من ميثاق محكمة نورمبرغ على أن «الاعتداءات على الآثار والمباني التاريخية من دون سبب تعد جريمة حرب». كما أن معاهدة لاهاي 1954، تلزم أي دولة احتلال بالحفاظ على الممتلكات الثقافية والدينية، وتعد الاعتداء عليها «جريمة حرب» واكدت المادة الثامنة الفقرة الرابعة من نظام روما لسنة 1998 بان" تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للارغراض الدينية" تعد جريمة حرب ايضا .
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: إذا كانت كل هذه النصوص القانونية الدولية تعضد الموقف العربي والإسلامي ضد الانتهاكات السافرة والصارخة للاحتلال الإسرائيلي، فلماذا لا يرى للأمة العربية أو الإسلامية أي حراك قانوني دولي، سواء عبر المنظمات الدولية أو القضائية أو حتى السياسي؟
فبإمكان هذه الدول العربية والإسلامية أن تطالب مجلس الأمن استناداً إلى قراراته السابقة بمنع إسرائيل من مواصلة اعتداءاتها المتواصلة على المقدسات الإسلامية، كما لهذه الدول أن تحرك الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ هي تملك الغالبية فيها، ولها عبر الدول التي نقضت إسرائيل معاهداتها الدولية معها أن ترفع قضية في محكمة العدل الدولية، كون الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات تمثل خرقاً لـ «معاهدة وادي عربة»، وكون الاعتدءات الإسرائيلية تمثل انتهاكات صارخة للقانون الدولي من شأنه تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر.
إذ الواضح اليوم أنه ما لم تقم الدول العربية والإسلامية بواجبها في الدفاع عن مقدساتها، فقد يأتي الوقت الذي تكون فيه المطالبة متأخرة جداً! وللحق، فإن على منظمة التعاون الإسلامي عبئاً ثقيلاً يجب ألا تتخلى عنه. فمنظمة التعاون الإسلامي التي قامت في الأصل لحماية المسجد الأقصى من العبث اليهودي بعد محاولة حرقه في عام 1969، والتي تضم أكثر من 50 دولة في عضويتها، تستطيع بما أوتيت من قوة، أن تجيش المنظمات الدولية بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، وتحرك العالم الغربي لحماية أعز ما تبقى من مقدساتها الإسلامية في القدس وباقي الاراضي الفلسطينية المحتلة .