الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم  

"فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم

الآن

البرقية الأخيرة من قلعة شقيف - رمزي نادر

اقترب المهاجمون ,قررنا الصمود " النصر أو الشهادة " , تلك هي البرقية الأخيرة التي خرجت على لسان المقاتلين المتمترسين في قلعة الشقيف بعدد من الأسلحة الخفيفة وقاذفات الهاون وحقل ألغام حول القلعة ومجموعة من الأنفاق داخلها وغطاء من المدفعية المكشوفة لطيران العدو كان هذا في 6 حزيران 1982,وهنا لن أخوض في الملحمة البطولية التي سطرها نفر من المقاتلين الذين اعتمدوا على الإرادة والصمود والإيمان بالحق لكسر النظريات العسكرية ولكنني أوردت هذا الحدث لسبب آخر وهو التأكيد على أن الحاضر هو امتداد للتاريخ وان الفلسطيني هو ذاته بنفس العزم والإصرار يطالب بحقه .
 
جدل عميق يعصف بدولة الاحتلال على نتيجة العدوان الأخير الذي مارسته قواته مستخدمة كل القسوة والإجرام الممكن من اجل تحقيق غايتها في كسر إرادة الفلسطيني ومع ذلك فشلت ,ينعكس هذا الجدل عبر وسائل إعلامهم المختلفة وعبر كتابهم ومقالتهم وتحليلاتهم وتصريحات قادتهم , بعض هذه التصريحات تفوح منها رائحة الصدمة وأخرى تحاول أن تقارن بين عهود مضت وبين المواجهة الأخيرة في غزة والوصول إلى نتائج منطقية منها وأخرى تؤصل لذات الإستراتجية وهي مواصلة العدوان على الشعب الفلسطيني من اجل كسر إرادته وإجباره على القبول بأي واقع تفرضه عليه دولة الاحتلال ,وأخرى تطمئن جمهورهم بان وقف إطلاق النار هذا مؤقت ,وأخرى تفند نص وقف إطلاق النار وان الفلسطينيين لم يحققوا أي انجاز من هذا العدوان عدا عن تدمير مخيماتهم ومدنهم وبيوتهم والثمن الباهظ الذي دفعوه من أطفالهم ونسائهم ما بين جرحى وقتلى .
 
نحن كفلسطينيين لم نخفي خسائرنا ولم ننكر عظمة فتك الآلة العسكرية الإسرائيلية التي لم تترك بشر ولا حجر ولا شجر وإلا فتكت به ولا ندعي أن 51 يوم من القتل والدمار كانت نزهة ولا نستهن بدماء أبنائنا وأمهاتنا وآبائنا وإخوتنا من الشهداء ونعي ماذا تعني 11000 جريح وكم من المعاقين سيكون بينهم طبعا نحن لم نحصي عدد المصابين بالصدمة بينهم ,وكذلك نعلم أننا قد نحتاج إلى سنوات من العمل من اجل اعمار ما حرق وقصف ولكن السؤال الذي لم تحاول إسرائيل أن تطرحه على نفسها أي خيار آخر لدينا باستثناء الصمود على أرضنا ,وما هي النتيجة المرجوة من هذا العنف المتواصل على شعبنا ,وهل العنف والإرهاب الذي يمارسه الاحتلال بحق أطفالنا ونسائنا هو السبيل لتحقيق استقرار في المنطقة .
 
كفلسطينيين ندرك بان إستراتجية العدوان هي مستمرة على أبناء شعبنا ونعلم أن العدوان على غزة كما لم يكن الأول عليه لن يكون الأخير وان نداءات الحرب التي مازالت تطالب باستمرار العدوان هي تعكس نمطية تفكير أصيلة في العقلية الصهيونية القيادية والشعبية ولكن على سبيل إعمال المنطق والعقل ,ظن نتنياهو أن الدم الفلسطيني هو التذكرة الأرخص في حفلته الانتخابية وان شعبنا لقمة سائغة بإمكانه نهشه دون كلفة أو ثمن ,رغم إننا اعتدنا على سماع مقولة دائمة على لسان القيادات الإسرائيلية وهي استخلاص العبر ,السؤال ما هي العبر التي استخلصتها دولة إسرائيل التي اغتصبت ارض شعب وعملت على تهجيره وتشريده طول فترة الصراع الطويلة معه ما هي العبر التي استخلصتها من حرب الكرامة وحرب بيروت ومعارك كشقيف و النبطية وعجلون والانتفاضة الأولى والثانية والثلاث حروب على غزة ونكثها بعملية السلام ,هل نسي اللاجئين القدامى كي تحاول خلق لاجئين جدد .
 
ماذا كانت تتوقع دولة الاحتلال وهي مستمرة في عملية الاستيطان تاركة مستوطنيها يعربدون يمتهنون كرامة الفلسطينيين يعتدون على المقدسات و يسلبون الأراضي ويقطعون المدن والوطن محاصر برا وبحرا وغزة تسبح في بحر مظلم من الفقر والحصار وفقدان الأمل وعملية السلام لا مستقبل لها في ظل التعنت والاستخفاف ماذا كانت تنتظر من شعب يموت بالبطيء وأصبحت عقيدته تعددت الأسباب والموت واحد.
 
هل استخلصت دولة الاحتلال النتائج من حربها غير الأخلاقية على المدنين والنساء في تعالي سافر على كل الأعراف الإنسانية والقوانين الأممية وهل رصدت صورتها التي تهشمت في دول العالم ووسط شعوبها التي كانت دوما مناصرة لها في أمريكا وأوروبا وهل رأت الانتفاضات في أمريكا اللاتينية التي خرجت تعلن إجرامها ,هل ظنت إسرائيل أن الأطفال الخارجين من تحت ركام المنازل التي قصفتها طائراتها ودباباتها ومدفعيتها وبوارجها ستجعل من وضعها مريح في العالم وهل ظننت أنها في كل مرة قادرة على الإفلات من العقاب على هذه الجرائم .
 
محكمة جرائم الحرب وسبل مقاضاة إسرائيل هي العنوانين الأبرز في ذهن كل مواطن فلسطيني والعشرات بل المئات من الحقوقيين الفلسطينيين والعرب والأحرار في العالم يدرسون كل سبيل لمعاقبة الاحتلال على جرائمه بحق المدنين العزل في فلسطين تلك هي العبر التي على دولة الاحتلال أن تستخلصها وتخشى نتائجها فان الفلسطيني لم يعد هو ذاته الفلاح الساذج والبسيط الذي استطاعت إخراجه من أرضه فان الفلسطيني اليوم الذي نشأ وسط جبال من تراكمات الظلم والحرمان في مخيمات اللجوء تعلم جيدا من قسوة الاحتلال ومرارته وأصبح يدرك أن الموت على ارض الوطن أفضل ألف مرة من الحياة بلا وطن .
 
هل أدركت إسرائيل من عدوانها أن ما كانت تواجهه في غزة لم تكن حماس أو الجهاد وكتائب الأقصى وباقي الفصائل بل هو مارد الفقر الذي صنعته وجيش العاطلين عن العمل وثورة المحبطين واليائسين وثمرة تنكرها لحقوق شعبنا واستخفافها بمعاناته .
 
تتعالى الأصوات في إسرائيل ويرتفع قرع طبول الحرب مطالبة باستمرار القتال ونحن في فلسطين ندرك أنها جولة من جولات و أن الاعتداء قد يحصل في أي لحظة ولكن عليكم أن تعلموا أن لا مفر لنا فالبحر من خلفنا والحدود على يميننا وانتم من أمامنا وعلى يسارنا ومخيماتنا لا تتسع للملاجئ قد تقتلون منا آلاف أخرى وحتى عشرات الآلاف ولكنها لا ترفع فقط رصيدنا من الشهداء بل سيرتفع معها رصيدكم من الجرائم التي ستجنون ثمرتها يوما وسنعود إلى نفس النتيجة وهي استمرار شعبنا بمطالبتكم باسترداد حقوقه التي اغتصبتموها يوما فلا خيار أمامكم وأمامنا إلا ذلك فالحل لا يكمن بالقتال  .
 
هل تستطيع إسرائيل أن تفكر بمنطق الإنسان المتحضر وليس الوحش الذي يمتلك القوة بان لا خيار إلا أن يعيش شعبنا كما تريدون عيش شعبكم هل تستطيعون أن تصلوا للنتيجة المحتومة بان هذا الشعب له الحق في تقرير مصيره حقنا لدمنا ودمكم هل مازلتم لا تدركون أن هذا الشعب لم ولن ينسى حقه في الوجود وان كل محاولات تركيعه ستفشل وان كلما زاد الضغط عليه فان الانفجار الحتمي سيكون في وجهكم أم أن إسرائيل مازالت تحتاج إلى احد ضباطها أن يقف أمام جثث أطفالنا يعطيها التحية العسكرية على الصمود الذي ولده ظلمكم كما فعل رئيس هيئة أركانكم ايتان في قلعة الشقيف عندما وقف وأعطى التحية العسكرية لـ 33 فلسطيني اعجزوا جيشكم ولم تقتلهم صواريخ طائراتكم وقذائف دباباتكم ورصاصات رشاشاتكم بل قتلهم الغاز السام وهل انتم بحاجة إلى إعادة ما قولتكم في الشقيف مرة أخرى "لم نأسر أي فدائي منهم لأنهم قاتلوا حتى الموت، ولم يستسلم أحد، لقد دهشنا جميعا من ضراوة مقاومة هؤلاء الفلسطينيين " .
 
شعبنا الذي قاتل ومات من اجل الحياة بكرامة وعزة ويستحقها لا يهوى الخراب والدمار وغبار الحرب لكنه لم يجد طريقا أخرى بعد أن فرضتموها عليه ,أرجو أن يكون هناك عقلاء مازالوا في إسرائيل يستخلصوا العبر بصدق ويدركوا قبل إراقة مزيد من الدماء من الطرفين على أن لا حل بالقوة وان الفلسطيني الذي قاتل كل تلك السنين هو نفسه الذي وقف زعيمه في حديقة البيت الأبيض ومد يد السلام التي عقرتموها وان هذا الفلسطيني لم يتخلى عن حقه ولن يتخلى عن هذا الحق بإقامة دولته وتحقيق مصيره وضمان أن يعيش أطفاله بكرامة كما يعيش أطفالكم وإلا برقية شقيف لن تكون الأخيرة وفي الختام ان العدوان على غزة كان واقع محتوم ولا يهم توصيفه نصر او هزيمة فهو امتداد لمنطق سيكولوجية الاعتداء بالقوة والنتيجة الأكيدة أن هذه القوة لم تفلح في كسر إرادة الفلسطينيين الآن كما لم تفلح في الماضي ولن تفلح في المستقبل   .
 

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024