طفيفة ولكن - حسن الكاشف
غادر بوابة المستشفى مصطحبا زوجته بعد ان امضيا ليلة من ليالي الحرب, كان قد وصل المستشفى حاملا زوجته المصابة بجرح في وجهها، هكذا كان يظن عند وصوله، ثم اكتشف بعد علاج الجرح ان زوجته تعاني من نزيف شديد, كانت حاملا في شهرها الخامس، وبعد انتظار امام غرفة العمليات خرج الطبيب وابلغه ان زوجته بخير لكنها فقدت الطفل.
لم يقل الرجل كلمة واحدة، ظل واجماً فيما كانت اقسام المستشفى لا تتوقف عن استقبال عشرات الجرحى والشهداء, ورغم صدمته وحزنه لفقدان طفله الاول وما اصاب زوجته من جرح كبير في الوجه، الا انه لم يشك, فالجرحى والشهداء بالعشرات, والاصابات الخطيرة كثيرة, ومن صدمتهم فجيعة فقدان عزيز كثيرون، كانوا حوله, وكان واجما مضطرب المشاعر.
اخذ بيد زوجته الى حيث اوقف سيارته في الباحة الخارجية للمستشفى, وعند وصوله للسيارة فوجئ بان السيارة مصابة باضرار, فأحد الابواب الخلفية شبه محطم, وزجاج السيارة الخلفي مهشم, لم يكن قد لاحظ هذه الاضرار وهو يسرع بزوجته الغارقة في دم جرحها الى المستشفى.
اصابه وزوجته وجوم جديد عندما وصلا الى الشارع حيث يسكنان. كان قد غادر الليلة الماضيه دون ان يلاحظ شيئا كان مسكونا باصابة زوجته, كان الدخان الاسود يلف المكان, وكان صراخ جيرانه سكان العمارات المجاورة والمقابلة، وكانت سيارات دفاع مدني واسعاف تطلق ابواقها, وكانت اصوات القصف. القريب والبعيد لا تنقطع.
هاله مشهد الدمار الذي اصاب عمارة في الجهة المقابلة لمسكنه، ولاحظ ان الشارع مليء بالحجارة والزجاج المهشم, وكانت سيارات كثيرة مصابة بأضرار كبيرة من الحجارة التي سقطت عليها.
ساعدته نساء من الجيران في ايصال زوجته الى الطابق الثالث حيث شقته, ولم تتوقف النسوة عن المواساة والتهوين, فما اصاب سكان الشارع من موت ودمار واصابات كثير وصعب.
كانت شقيقته واطفالها بانتظارهم عند الباب, كان وجه شقيقته ودموعها ينطقان بكلام مغاير لا ينطق به لسانها من عبارات السلامة والحمد, وهي اخته الوحيدة, وهو اخوها الوحيد, وكانت وأطفالها قد لجأوا عنده بعد ان اصاب الدمار الكثير في منطقة مسكن الاخت.
لم يغادر ذهول ما اصاب الشارع حتى اصابه ذهول ما اصاب الشقه, فزجاج النوافذ محطم, والستائر ممزقة, وحجارة كثيره حطمت قطعا من الاثاث, واصابت جهاز التلفزيون, بل ان بعض الجدران تشققت. وقف مذهولا, وجلست زوجته مذهولة، تقاطر الجيران للاطمئنان, وارتفعت عبارات السلامة والتخفيف, وما اكثر هذه العبارات, حيث ارتفع صوت احد الجيران قائلا: «ستصل لجان حصر الاضرار قريبا, وان شاء الله يكون التعويض سريعا ومعقولا», اضاف: بالتأكيد ستعتبر الاضرار طفيفة. ختم قائلا : بسيطة.. دفع الله ما كان اعظم.
انفجر الرجل صارخا : مش بسيطة..لا.. مش بسيطة.. مش بسيطة.