غزة.. لملمة الجراح - عيسى عبد الحفيظ
بعد ان ينجلي غبار المعارك تجد غزة نفسها امام استحقاقات ضخمة تتطلب مبالغ ضخمة وجهودا جبارة لاعادة البناء وازالة آثار العدوان. والاهم من كل ما سبق نجد انفسنا جميعا امام استحقاق وطني لا يستطيع اي كان التنصل منه، الا وهو ترسيخ وتأكيد والتمسك بالوحدة الوطنية، فهي وحدها القادرة على تنفيذ وتطبيق برنامج اعادة الاعمار، والتئام الجروح الجسدية والنفسية التي طالت مئات آلاف المواطنين في غزة، ابتداء ممن فقدوا ملاذهم الوحيد في الحياة الا وهو البيت، الى من فقدوا أحباءهم وأعزاءهم وربما معيليهم الوحيدين، الى الآثار النفسية التي طالت الكبار قبل الصغار. كل هذه المتطلبات وغيرها الكثير تفرض نفسها الآن وبالحاح، خاصة ونحن على ابواب السنة الدراسية الجديدة التي بدأت فعلا، فاصطف التلاميذ في ساحات المدارس ينشدون النشيد الوطني في الوقت الذي كانت فيه العائلات المنكوبة في بيوتها تصطف على شرفات المدارس، والطرفان يتساءلان داخليا: اذا ما بقي هؤلاء المنكوبون يحتلون الاقسام الدراسية فكيف سنتعلم؟
والطرف الآخر يتساءل في قرارة نفسه: اذا ما دخل التلاميذ الى صفوفهم المدرسية فأين سنذهب؟
واضح ان القرار النهائي سيكون في صالح استمرارية العام الدراسي رغم كل الصعوبات وهذا حق مشروع لفلذات اكبادنا الذين يجب بذل كل الجهود لاعادتهم الى حياتهم الطبيعية على الرغم من كل ما حدث، ومحاولة القفز عن آثار العدوان النفسية منها خاصة بالنسبة لهؤلاء.
ولكن في المقابل يبرز تساؤل آخر مشروع: اين سيذهب هؤلاء الذين وصلت اعدادهم الى ارقام فلكية مئات الآلاف ممن باتوا دون مأوى، وليس لهم مكان يذهبون اليه ويقيهم حرارة الصيف وبرد الشتاء؟
كل هذه التساؤلات تفرض نفسها على اصحاب القرار السياسي الذين ليس امامهم الا تعزيز الوحدة التي تؤدي حتما الى تكاتف الجهود، لتأمين حياة لائقة للجماهير التي اعطت من دون حساب فبات حقا علينا جميعا كفصائل فلسطينية وكسلطة ان نتحمل هذه المسؤولية الضخمة.
ايضا يجب الانتباه الى ان الوعود الشفهية بالمساعدات شيء وتطبيقها فعليا شيء آخر. وهذا ما لمسناه واكتوينا بناره اكثر من مرة. فقد كانت القمم العربية وغير العربية تأخذ قرارات كبيرة في كل ازمة نتعرض لها، وعندما نأتي الى التطبيق لا نجد الا التملص والتبريرات مثل: هل دفع الآخرون ما وعدوا به لنجد انفسنا في النهاية وحدنا كما كنا دائما؟
كل ما سبق يتعلق بالجانب المادي فقط، فماذا لو ذهبنا الى الجانب السياسي؟
درجت المؤتمرات على اتخاذ قرارات كبيرة، وتبقى المشكلة التي عانينا منها وما زلنا في التطبيق، وليس أدل على ذلك من قرارات الجمعية العامة الخاصة على سبيل المثال بالعودة قرار (194) او التقسيم قرار (181) والقائمة تطول. اما عن قرارات القمم العربية والاسلامية فحدث ولا حرج.
كما قالت تلك السيدة التي قصفت القوات الهمجية بيتها في رمضان قبيل ساعة الافطار: ليس لنا الا انفسنا والله فيا شعبي توحد.
الشعب موحد وهذا ما اثبتته وقائع الحملة الهستيرية الصهيونية على قطاع غزة. ويبقى الامر منوطا بالقيادات السياسية التي يجب ان تتماهى مع هذه الوحدة الشعبية الفلسطينية وتجسيدها على ارض الواقع سواء تعلق الامر بالجانب المادي او بالجانب السياسي وليس الوقت كافيا لمناكفات من هنا او هناك. فالشعب كله في الضفة والقطاع يطالبنا بالوحدة والتماسك والتكاتف حتى نستطيع جميعا الوصول الى شاطئ الامان، والله من وراء القصد.