موعد مع الحياة - سما حسن
لا أصدق أن الكابوس الذي جثم فوق صدورنا لمدة واحد وخمسين يوما قد انزاح هكذا بقرار تحدد موعده، بقينا نعد الدقائق حتى بلغت الساعة السابعة مساء؛ لأسجد لله شكرا وهو أول عمل قمت به بعد دخول قرار وقف اطلاق النار حيز التنفيذ، سجدت لله أنه قد حفظ لي أبنائي ولم يفجعني في حبيب ولا صديق ولا قريب، رغم أن كل ما ألمّ بأبناء شعبي قد أوجعني، فقد كنت أشعر بهم وأتألّم لألمهم فمن لا يشعر بشعور المسلمين يخرج من ملتهم.
صاحت الصغيرة في تمام الساعة السابعة تماما: ماما بدي أتحمم.......
ضحكت كثيرا من منظرها وهي تتقافز فرحا، فطيلة أيام الحرب كانت تخشى أن تحدث غارة ونضطر للهروب إلى الطابق الأرضى وتكون هي في الحمام، ولذلك فقد كان الاستحمام بالنسبة لها مشكلة، وكانت تستغل الاعلان عن هدنة لساعات أو أيام لكي تحصل على حمامها دون خوف، وكنت أعلق على فعلها بقولي: اللي استحوا ماتوا، وأفسر لها المثل عن مجموعة من النساء دخلن حماما شعبيا فاندلع فيه حريق هائل، فخرج بعضهن عاريات دون خجل ونجون فيما احترقت في الداخل اللواتي خجلن من الخروج، وكنت أضرب لها هذا المثل وأضحك بمرارة، وكانت تستشيط غضبا ، ولكن مع اعلان وقف اطلاق النار طلبت مني السماح لها باستخدام البانيو الممتلئ بالماء، حيث كنت أجمع به الماء بواسطة الدلاء واحتفظ به بسبب شح الماء خلال الحرب.
أجبتها بأن عليها الاستمتاع بحمام في البانيو يعوضها عن كل ما سبق من حرمان من أقل حق طبيعي بالنسبة لانسان، وفيما كانت تدخل الحمام دون خوف وتطلق أغاني مرحة، كان باقي الأولاد يطلون من الشرفة لمشاهدة مظاهر الفرح في الحي، فزجرتهم وطلبت منهم الدخول خوفا من الرصاص الطائش الذي كان ينطلق كالمطر.
همست لنفسي: هل نحن موعودون بالرصاص المعادي والصديق؟ وصدق حدسي حين أعلن عن اصابات عدة في أنحاء القطاع، وقلت لأولادي ان عليهم السجود لله شكرا على كرمه، فقد كنا ندعوه دوما أن نموت سويا أو تكتب لنا الحياة سويا.
التف أولادي حولي وبدأوا يطالبونني بأن أفي بوعودي المؤجلة ، وكان كل واحد لديه قائمة من الطلبات، ووجدت نفسي مدينة لهم بالموافقة، وكنت سعيدة رغم أن خرقا كبيرا سيحدث في ميزانيتي، وطالبوني بالخروج إلى شاطئ البحر كأول مكان نخرج إليه بعد انتهاء العدوان، وبدأوا يعددون الأماكن الترفيهية القليلة في غزة التي تعرضت للدمار.
حسبما يذكر المهندسون الخبراء فإن اعمار غزة يحتاج لعشرين عاما قادمة، فالركام في كل مكان، وسيبقى شاهدا على ما ارتكب بحق ما يزيد على مليون وثمانمائة ألف مواطن ليس لهم حلم في الحياة سوى العيش بأمان، والظفر بأقل الحقوق التي أقرتها منظمات حقوق الانسان حول العالم، فهل يظفرون بها ؟