تغيير القواعد - علي خلف
فور توقيع اتفاق أوسلو عام 1994 عقد الشهيد فيصل الحسيني مؤتمراً صحفياً في ساحة نادي الموظفين بالقدس المحتلة تداعى اليه حشد واسع من الصحفيين والاعلاميين المحليين والأجانب الى جانب ممثلي وسائل الاعلام الاسرائيلية. وبمجرد انتهاء أبو العبد من كلمة الترحيب وإلقاء الضوء على الاتفاق من حيث أبعاده المستقبلية وكذلك ايجابياته وسلبياته والمفاوضات من فوق الطاولة وتحتها انهالت الأسئلة والاستفسارات التي ركزت على مرحلة ما بعد الاتفاق وعودة القيادة ومئات الآلاف من العائدين وكيفية البدء في بناء المؤسسات ووضع التشريعات والقوانين.
لكن ثمة سؤال فاحت منه رائحة الدهاء والمكر طرحه مراسل عبري اعتقد انه من "يديعوت احرونوت" لماذا يقبل المفاوض الفلسطيني في مدريد بهذا الاتفاق في حين كان بامكانه احراز اتفاق أفضل منه؟
فما كان من فيصل الذكي والسريع البديهة الا أن أجابه بسؤال: هل تعتقد ان اسرائيل ستنفذ هذا الاتفاق؟ .. نشك في ذلك.
أما السؤال الذي طرحه العبد الفقير لله فيما اذا كان اتفاق أوسلو مقدساً؟ حيث أسهب في الاجابة عليه حين أكد أن لا شيء مقدس لدينا ولا للاسرائيليين خاصة أن الوفدين ذهبا الى المفاوضات مكرهين بعد أزمة الخليج والحرب على العراق، حيث أعلن الرئيس الأميركي بوش الأب بكل وضوح: اسرائيل لم تعد الابن المدلل لدى الادارة الاميركية، هذا فيما يتعلق بالجانب الاسرائيلي. أما بالنسبة للفلسطينيين والقيادة الفلسطينية ما كان لها الذهاب الى المفاوضات الا بعد أن أغلقت أمامها الأبواب العربية الرسمية وتهديد شارون بإبادة شعبنا في مخيمات الجنوب اللبناني على مرأى ومسمع العالم.
كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت القيادة ميالة الى التوقيع على "أوسلو" والعودة الى وطن ينتظر بلهفة الخلاص من الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها إما عبر غصن الزيتون الأخضر أو اللجوء الى المقاومة بكافة اشكالها ووسائلها المشروعة التي أقرتها القوانين الدولية خاصة أن الاحتلال الاسرائيلي الهمجي والهستيري على غزة وما آل اليه من نتائج مأساوية راح ضحيتها أكثر من 2200 شهيد معظمهم من الأطفال وتدمير آلاف المنازل والبنى التحتية جعلت اسرائيل عارية تماماً أمام العالم حتى من ورقة التوت، ونعتقد انه بسبب ذلك آن الأوان لتغيير قواعد المفاوضات على نحو استغلال الجرح العميق الذي أوقعته المقاومة مجتمعة في المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية دون أن ننسى ان ذلك لن يتأتى لنا دون وحدة وطنية راسخة بتفاصيل التفاصيل.