السلبية تضعف التأثير - حنان باكير
تساؤل مشروع لكل واحد منّا. لماذا لم نستطع نحن كعرب، تشكيل لوبي عربي مؤثر وفعّال في الغرب ومن خلال عملي وتنقلي، كنت أصادف أحداثا ومواقف، تحملني على الاعتقاد بأني وقعت على السرّ.
رفض فكرة الاندماج والتفاعل، مع البيئات الجديدة عامل أساسي، في إضعاف تأثيرنا فيها. وسببه سوء فهم فكرة الاندماج، التي يفسرها البعض بأنها التخلّي عن الهوية او الدين.
الى الدنمارك، توجهت برحلة عمل. التقيت هناك أحد طلابي القدامى. ذكّرني بنفسه، من أيام تدريسي في ثانوية مار الياس، في بيروت. لقد أصبح ذلك الشاب، رجلا ناضجا. أخبرني أنه جاء خصيصا لمقابلتي بعد أن قرأ اسمي ضمن المشاركين.
التلميذ، أصبح والدا لخمسة أطفال. ويقيم في الدنمارك. أصرّ على استضافتي بضعة أيام، لتكريمي. لكن ارتباطاتي لا تسمح لي بأكثر من ساعتين للاستراحة، فأخذني في جولة، بسيارته الفخمة.
حدّثني عن حياته وعمله. قال انه لم يحب ذلك الشعب المضيف. وأنه طلّق زوجته الدنماركية، بمجرد حصوله على الإقامة الدائمة. عاد الى لبنان وتزوج من إحدى قريباته.
قال: لم أشأ أن أعمل أجيرا او موظفا عند أحد، افتتحت مطعما للمناقيش والبيتزا وكل أنواع المعجنات. لذلك فأنا في غنى عن التعاطي مع الدنماركيين، الا كزبائن، يشترون ويغادرون! تُجّار الجملة الذين أتعاطى معهم، هم من العرب.. اكتفيت بالاستماع له، ولم أعلّق شيئا! ثم زرنا مطعمه لتناول منقوشة زعتر.
أخيرا سألته: وهل معظم أصحابك مثلك، لا تروقهم فكرة الاندماج؟ أجاب بفخر وحماس: نعم. فنحن نعيش في منطقة كلها من الفلسطينيين واللبنانيين، وأولادنا يلعبون معا، ولا يتعاطون مع الأطفال الدنماركيين الا في المدرسة، مؤسف انه لا توجد مدارس خاصة لنا.
طلبت منه: ممكن نزور عائلة عربية، لشرب فنجان قهوة، وافق بحماس ايضا، وهو الذي يرغب بتقديم أيّ خدمة لمعلمته، زرنا أم حسين الجنوبية، وزوجها الفلسطيني. تهجّرت ام حسين وزوجها من أكثر من مخيم، ولأكثر من مخيم.. حيث كانت الحروب تستهدفهم، وتطاردهم مستكثرة عليهم حتى حياة المخيم.
في حيّ اسكندنافيّ، لا شيء يشي بوجود المهاجرين فيه، الا روائح الطبخ والبهارات، وكثرة الاولاد الذين يلعبون في مساحات لَعِب الأطفال. دخلنا الى بيت ام حسين. فهذه عطلة نهاية الاسبوع، واجتمعت العائلة كلها الأبناء والأحفاد، كتيبة كاملة، ومن كل القياسات والأعمار.
البيت بكل ما يحتويه، لا ينبئ بوجودك في بلد غربي، إذ لم يتأثر ذوق اصحابه بالبيئة الجديدة. قلت للحاجة: أنت تحافظين على أجوائك التقليدية، قالت بفخر: ولن أغيّر شيئا اطلاقا، حتى أني اقوم باختيار أثاث بيوت اولادي.
كثرة الموجودين، تعني كثرة وجود الهواتف المحمولة، التي ترنّ باستمرار.. وكلهم استعاضوا عن الموسيقى بالقرآن او الآذان.. وليتهم استعانوا، بصوت عبد الباسط او مصطفى اسماعيل!
دار جدل واحتدم حول قضية، هل يردّون على الهاتف بمقاطعة صوت القرآن الكريم، أم ينتظرون حتى ينتهي؟ فريق قال: يكفي أن نقول: صدق الله العظيم ونردّ على الهاتف، صار لهم قضية تُناقش.. كانت غزة في ذلك الوقت تواجه نيرانا لا ترحم.