استقلال إسكتلندا المحتمل يعصف بلندن ويفرض التغيير - أحمد سيف
أفاق البريطانيون صباح أمس (الأحد) على وقع اكبر صدمة في تاريخهم الحديث وهم يرون، ان بلادهم قد تتفكك فعلا، بعد ان أظهرت استطلاعات الرأي لأول مرة، ان أغلبية الاسكتلنديين ستصوت لصالح الاستقلال.
حتى ايام مضت اعتقدت المؤسسة البريطانية في لندن ان تحالف "البقاء معا" الذي تؤيده الأحزاب الرئيسة في بريطانيا، يحوز على تأييد غالبية مواطني إسكتلندا لكن دعاة الاستقلال تمكنوا خلال شهر من تقليص فارق كبير اقترب من الأربع عشرة نقطة. والسبب نجاح دعاة الاستقلال في جعل الاستفتاء خيارا حقيقيا قد يجعل من إسكتلندا بلدا مستقلا يقرر مصيره ويتحكم في سياساته بدل تولي لندن رسم معظم السياسات المحلية والخارجية.
صمد الاتحاد الذي يضم إضافة الى إسكتلندا، ايرلندا الشمالية ومقاطعة ويلز، قرابة ثلاثمائة عام وأنهى حروباً أهلية طويلة، لكن سياسات العمال والمحافظين خلال العقود الاخيرة التي ورطت البلاد في أزمات اقتصادية وحروب خارجية، خفضت مستوى الحياة وأفقرت كثيرين لصالح واحد بالمائة من أثرياء البلد وحدت من طموح الشعب الاسكتلندي الذي يميل يسارا ويريد تطبيق أجندة اجتماعية اكثر عدلا وتقدما في مجالات البيئة وتحديث البنى التحتية على غرار الدول الإسكندنافية. أمر يستحيل تحقيقه في ظل الوضع الحالي حيث يقرر برلمان ويستمنستر السياسات والخطط للملكة المتحدة أين يقرر الانجليز الذين يشكلون خمسة وثمانين بالمائة من السكان، معظم سياسات الاتحاد.
تشكل مساحة إسكتلندا قرابة ثلث مساحة المملكة المتحدة بينما يسكنها قرابة ثمان في المائة، اي قرابة خمسة ملايين وربع المليون نسمة يعملون في الصناعة وأسواق المال والتقنيات الحديثة. وتحتوي ارضهم الواسعة على حقول الطاقة الرئيسة. وتوفرالمصادر الطبيعية والتركيبة السكانية المتقدمة، فرص إقامة بلد متطور قد يعاني في البداية من مشاكل الانفصال لكنه، وفق المراقبين، سيتمكن من تجاوز الصعوبات وبناء اقتصاد حديث تعجز البيروقراطية في لندن عن توفيره.
وفي المقابل يحذر مؤيدو الاتحاد من مضاعفات الانفصال المالية والاقتصادية، ويخاطبون عواطف الناس ويحضونهم على عدم تقسيم الجزيرة الصغيرة مجددا، ذالك ان استقلال إسكتلندا سيقوي جهود دعاة الانفصال في ايرلندا الشمالية ومقاطعة ويلز.
يرى مراقبون ان بريطانيا دخلت مرحلة تغيير عميق مهما كانت نتائج الاستفتاء على الاستقلال في الثامن عشر من الشهر الحالي. وكثير من الساسة يرون ان ديفيد كاميرون رئيس الوزراء، سيكون اول ضحايا انحسار الاتحاد وبداية تفكك بريطانيا العظمى، ذلك ان حكومة المحافظين التي ليس لها سوى نائب واحد في إسكتلندا، لم تقرأ التحذيرات المتواصلة وماطلت في إجراءات إصلاحات تعطي إسكتلندا المزيد من القول في تقرير شؤونهم.
يحاول هؤلاء ومعهم أغلبية حزب العمال، في الساعات الاخيرة تقديم اقتراحات منها تغيير القوانين والدستور البريطاني والتحول الى نظام فيدرالي، عل ذلك يغري الإسكتلنديين والقوميات الأخرى بعدم الانفصال وبالتالي إضعاف بريطانيا ودورها.
يوصف الاسكتلنديون بالدهاء والصبر في تحقيق أهدافهم وقديما أقام الإنجليز امبراطورية لا تغيب عنها الشمس عبر القوة والكثير من الخداع وسياسات فرق تسد ووعود الإصلاح وعرفوا بأنهم الأكثر دهاء..دهاء مكنهم من إقامة امبراطورية كبرى وفي استعمار العالم، لكنه، كما نرى الان، لم يساعدهم في ابقاء مخاطر الانفصال بعيدا.
ها هو عش الدبابير ينفتح في لندن ولن ينتهي امر "الربيع" الاسكتلندي قبل وضع أسس جديدة وفرض تغيير جذري وتدريجي اكثر عدلا في هذه الجزيرة الصغيرة، مهما قررت إسكتلندا. وحتى لا نذهب في التأويل كثيراً فإن كل ذلك سيتم بطرق سلمية. لقد حارب أهل هذه البلاد بعضهم عقوداً طويلة وجنحوا الى الحوار والسلم لحل مشاكلهم مهما كبرت.
هذه الأيام، وفي أماكن اخرى من العالم، بعيدة عنا، يمكن عبر تصويت الشعوب ان نرى ولادة دول جديدة تطمح في مستقبل أفضل وبدون نقطة دم واحدة!.