ما حصل في غزة امتداد طبيعي للإرث النضالي الإبداعي الخلاق لشعبنا - اسماعيل التلاوي
ليس هناك أدنى شك بأن ما تم انجازه على الأرض، من مقاومة باسلة وصمود بطولي لجماهير شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، فخر واعتزاز كبيرين لشعبنا وامتنا العربية، وإبداع يضاف إلى إبداعات شعبنا الفلسطيني، وهو امتداد لإرثه النضالي والكفاحي، من اجل الحرية والكرامة على امتداد السنوات الماضية، بدءا من عام 1917 ومرورا بانتفاضات شعبنا في العشرينات، وثورة عزالدين القسام في الثلاثينات، والمقاومة المجيدة ضد العصابات الصهيونية عامي 1947 و1948، ومرورا بانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وما تلاها من بطولات وتضحيات خلاقة خطها ثوارنا الفلسطينيون بدمائهم الزكية الطاهرة، وصولا لانتفاضة شعبنا الفلسطيني الجبارة والتي عبدت الطريق بدماء شهدائها وجرحاها وأسراها للعبور إلى الوطن الحبيب.
فلكل مرحلة إبداعاتها وأدواتها وإمكانياتها، فما قام به شعبنا خلال القرن الماضي هو إبداع وانجاز أعاد فلسطين إلى الخريطة السياسية، بعد أن كادت تمحى، فثورة الثلاثينات بقيادة عزالدين القسام، والأربعينات بقيادة عبد القادر الحسيني، ونجاح انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 وبقائها بكل فصائلها حية حتى الآن، هو إبداع، وقرار مواجهة ثلاث مائة وتسعون مقاتلا فلسطينيا مسلحون ببضع عشرات من البنادق القديمة، وبضع قنابل واحزمة ناسفة،لاثنا عشر الف جندي اسرائيلي بطائراته ودباباته ومدافعه والانتصار عليه، وإلحاق الهزيمة به في معركة الكرامة عام 1968 هو إبداع نادر، والعمليات النوعية للمقاتلين الفلسطينيين في الحمة والحزام الأخضر، وترشيحا، وسافوي، ووصول دلال المغربي ورفاقها الى شواطئ يافا وحتى ابواب تل ابيب، والهبوط بطائرة شراعية في الجليل، وغيرها الكثير، ما هي إلا إبداعات وانجازات يفخر بها شعبنا حتى اللحظة، والكم الهائل من راجمات الصواريخ التي دكت مستوطنات الجليل كان مفاجئة للعدو الصهيوني، في الوقت الذي لم يجرؤ احد أن يطلق رصاصة واحدة على هذه المستوطنات. والصمود الأسطوري لثورتنا الفلسطينية الذي استمر لأكثر من ثمانين يوما في بيروت مفخرة أخرى تضاف إلى أمجاد شعبنا وتراثه النضالي ضد العدو الصهيوني، والكثير الكثير من محطات الانجازات والإبداعات الكفاحية التي حققها شعبنا خلال مسيرته الطويلة.
ولذلك من ينتقص أو يقلل مما فعلته المقاومة بألوانها المختلفة في قطاع غزة من بطولة وتضحية أذهلت العالم كله، فهو ينكر كل التضحيات السابقة لشعبنا، ولا يفهم طبيعة معادلة الصراع مع العدو الصهيوني، ولا يستوعب الثمن الذي ينبغي على الشعوب أن تدفعه مقابل الحرية والكرامة، وتحقيق الاستقلال الوطني والتخلص من الاحتلال، والنماذج ما زالت ماثلة أمامنا. فالشعب الجزائري العظيم لولا هذه التضحيات الكبيرة والشهداء الذين فاق عددهم المليون والنصف لما كانت الجزائر حرة وشامخة بشعبها ورئيسها وحكومتها، ولولا تضحيات الشعب الفيتنامي لما انتصرت الثورة الفيتنامية على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن قبلها فرنسا، وغيرها من الشعوب التي قاومت المستعمر ودفعت ثمنا باهظا للتحرر والاستقلال.
وبالمقابل فإن قول البعض بأن التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني بدأ منذ انطلاقة هذا الفصيل او ذلك، هو قول خاطئ، بل نفي وتقزيم للإرث النضالي المجيد لشعبنا وتضحياته، وإنكار لتضحيات آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا على درب الحرية والاستقلال الوطني.
إذن ما حصل في غزة من مقاومة باسلة ما هو إلا امتداد طبيعي للإرث النضالي والكفاحي لشعبنا، وهو استكمال لما بدأه شعبنا على مدى مقاومته لنيل حريته، لذلك لا يجوز لأحد أن يدعي أن التاريخ النضالي لشعبنا قد بدأ من عنده، فتاريخ شعبنا مليء بالتضحيات والإبداعات، وسيستمر شعبنا بمقاومته حتى نيل حقوقه وصنع النصر الأكيد حين تحرير القدس وعودة شعبنا المشرد في بقاع الأرض، فاالاجئون هم جوهر قضيتنا، ولا يمكن للسلام أن يتحقق إلا بعودتهم إلى وطنهم ليعيشوا حياة كريمة على أرضهم أسوة بشعوب العالم، وينعم أطفالنا بالسلام في إطار دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.