أولادي طاقم تمريض - سما حسن
قبل عشرة أيام من اليوم مررت بتجربة جديدة في حياتي وهي تجربة اجراء عملية جراحية، والبقاء في المشفى لعدة أيام بعيدا عن البيت، ويمكنني القول إن هذه تجربة الابتعاد الأولى بعد أن أصبح أولادي في سن المراهقة والشباب، ولذلك فقد حملت الكثير من العواطف والمشاعر بالنسبة لي، فرغم كل ما شعرت به من خوف وحزن الا أنني كنت سعيدة وأنا أرى أولادي يواجهون الحياة دوني وبعيدا عن تعليماتي وارشاداتي.
ابنتي الصغيرة لم تتوقف عن طرح الاسئلة قبل موعد دخولي المشفى كيف؟ وكيف؟ وكيف؟ فهي ستكون وحيدة وعليها الاعتماد على نفسها لأول مرة بعيدا عني، وبدا كل شيء بالنسبة لها صعبا وعصيا وكأنها طفلة تتعلم المشي وستتعثر في كل خطوة.
أما أولادي الأكبر سنا فهؤلاء تلقفوني بدور طاقم التمريض بمجرد خروجي من غرفة العمليات، وجدت نفسي أقوم بالدور الذي كان يقوم به كل واحد أثناء مرضه وهو الانصياع التام لأوامري وارشاداتي.
ذلك الضعف البشري والحاجة للآخرين حولنا أثناء مرضنا جعلني أنصاع دون نقاش لأوامر أولادي الذين قاموا بدور طاقم تمريض محنك، فكل واحد لديه أوامر ونواه، وكل واحد لديه نصائح ليست قابلة للنقاش.
اشتقت للطعام التقليدي وتظاهرت بعد خروجي من الحمام أنني أدخل المطبخ؛ لأغلق كيس الخبز الذي نسيه أحدهم مفتوحا على أحد الرفوف ولكنني كنت اشتهي تناول قطعة من الخبز، وبمجرد أن تعبث يدي في الكيس أجد خلفي ثلاثة رؤوس عملاقة تحذرني ويهتفون معا بصوت آمر: للخلف در.. الى سريرك.
وهكذا تبدلت الأدوار واصبح أولادي مسؤولين عن كل شيء يخصني، وسجل كل واحد موعد تناولي الدواء على هاتفه، فلا عجب أن أجد باب غرفتي يفتح مع منتصف الليل، ويقتحم كل واحد الغرفة حاملا هاتفه النقال الذي لا يتوقف عن الرنين ويقدمون لي في سباق ثلاثة أكواب من الماء وعلبة الدواء التي يتجاذبونها فيما بينهم.
أصر ابني الاصغر أن يراقبني ليل نهار خوفا من غارة ما أشنها على المطبخ، حين كنت أتحامل على نفسي وأسير عدة خطوات بناء على ارشادات الطبيب، ولم يتوقف عن الدعاء لي في كل صلاة، وحين كنت أستمع الى صوت دعائه في صلاة الفجر، كنت أشعر أن عمري لم يذهب هدرا، وبأني قد زرعت وحصدت خير الثمر.
أما ابنتي الكبرى ففي الليلة الأولى من مغادرتي المشفى أصرت أن تنام في غرفتي؛ لكي ترعاني، والحقيقة أنها لم يغمض لها جفن؛ لأنها كانت تراقبني طول الوقت وأنا أتألم، وأحاول التقلب في فراشي، ذكرتني بنفسي حين كنت أفعل ذلك أثناء مرضها وهي صغيرة.
حقا أنا سعيدة بما يفعله أولادي من أجلي، فقط لو يغفل ابني عني للحظة ويتركني أدخل المطبخ، لقد اشتهيت أن أغمس اصبعي في طبق المربى ثم ألعقه كطفلة مشاغبة.