الاحتلال يقتحم جبل المكبر وينصب حاجزا عند مدخل العيساوية    الاحتلال يفرج عن 11 معتقلا من قطاع غزة    "العدل الدولية" تبدأ اليوم الاستماع لمرافعات الدول بشأن المنظمات العاملة بفلسطين    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    الأمم المتحدة: ما يحدث في قطاع غزة ليس أزمة إنسانية بل اعتداء على كرامة الناس    أمناء سر "فتح" بالضفة يؤكدون دعمهم لخطوات الرئيس لوقف الحرب على شعبنا وترتيب الوضع الفلسطيني    الشيخ يشكر الرئيس على ترشيحه لمنصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية نائب رئيس دولة فلسطين    اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تجتمع برئاسة الرئيس    9 شهداء في قصف الاحتلال منزلين بمخيم الشاطئ وحي الصبرة في غزة    لازريني: أطفال غزة يتضورون جوعا فيما تواصل إسرائيل منع دخول الغذاء    المجلس المركزي في بيانه الختامي: أولويات نضالنا الوطني هي وقف العدوان والإبادة الجماعية على شعبنا في غزة والضفة ونرفض أية محاولات للتهجير والضم    الرئيس يشيد بتصريحات السيسي التي أكد فيها أن بلاده ستبقى سدا منيعا أمام تصفية القضية الفلسطينية    السيسي: مصر تقف سدا منيعا أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية    المجلس المركزي يقرر بالأغلبية الساحقة استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة نائب الرئيس    المجلس المركزي يواصل أعماله لليوم الثاني  

المجلس المركزي يواصل أعماله لليوم الثاني

الآن

لماذا تموت الأمهات؟ سما حسن

رغم أنني في مطلع الأربعينات من عمري، ولكن ذلك لا يعني أنني لم أعد بحاجة لها، فقد شعرت أنني ما زلت تلك الطفلة الصغيرة التي تمشط لها أمها شعرها وترسلها الى المدرسة، وذلك حين تقرر موعد دخولي المشفى لاجراء جراحة عاجلة، لم أكن أعرف أن الحاجة للأمهات لا ترتبط بالسّنّ، وكوني قد أصبحت أمّا ومستقلة بحياتي من كل النواحي الا أن هذا لا ينفي أنني بحاجة لها في كل مرحلة من حياتي.

أمام باب بيتي وقفت جارتي تودعني وتتمنى لي الشفاء العاجل، وسألتني قبل أن افلت يدي من يدها: من ستكون مرافقتك في المشفى؟ فأجبتها دون وعي : امّي.
لم أشعر بنفسي ووضعت جارتي يدها على فمها لتكتم صرخة لوعة، فهي تعرف أن أمّي قد توفيت منذ سنوات أربع، ولكن ردي هذا يعني أنني أتوجع وافتقدها بشدة، وبأن عقلي اللاواعي هو الذي أجرى ذكرها على لساني.
حين كنت أخرج من غرفة العمليات لم أكن أرى ولا أسمع سوى صوتها وصورتها، وجهها الصبوح وصوت لهاثها بسبب أزماتها الربوية المزمنة، ولكن ذلك لم يمنعها أن تكون حولي عندما كنت أنجب أولادي جميعهم، تحيطني بحبها ورعايتها وخوفها ولهفتها.
حين كنت أعاني من آلام مخاض مولودي الأول، كان خوفها عليّ جليّا ولم تستطع أن تكتم قلقها من خوضي تجربة المخاض الأولى، ولم تتوقف أن تطلب مني ألا أضرب رأسي في الحائط، أو أعض على رسغي بأسناني من شدة الألم، فقد حذرتني بقولها: أنت الآن لا تشعرين بما تفعلينه بنفسك، ولكن بعد أن تضعي مولودك ستشعرين بآلام مبرحة، وربما ستلازمك مدى الحياة في رأسك، مثلا الذي تضربينه بلا هوادة أملا في أن يخف الألم في أحشائك أو في محاولة للتعبير عن هذا الألم.
كانت أمي تخشى عليّ من آلام واقعة وحالية، وتخشى عليّ ببساطتها من آلام مستقبلية، ولم تكن تعلم أنها حين ترحل عن الحياة ستهاجمني الكثير من الأمراض بضراوة مقتنصة وحدتي بعيدا عن رعايتها.
كانت أمّي تنزل السوق باكرا فيما يتساقط المطر بغزارة؛ لتكون في انتظار البائعات القرويات؛ لتشتري لي كلّ لوازم" النّفاس" حسبما اعتادت كل الأمّهات أن يفعلن، فلا يمكن أن تمرّ فترة النّفاس دون لحوم الطيور التي تمّت تربيتها في المنزل مثل الأرانب والحمام والبط، فكانت تشتريها وتعدّها لتكون جاهزة وكافية للطبخ لمدة طويلة، فلا يمكن أن أنسى مذاق شوربة الأرانب التي كانت تعدّها أمّي، ولا مذاق شوربة الخضار أيضا والتي افتقدتها واستذكرتها بدموعي حين كنت أرشد ابنتي البكر الى طريقة اعداد الشوربة لي، وبالفعل فقد أعدّتها ابنتي كما وصفتها لها تماما، ولكنني حين تذوقتها افتقدت نكهة أمي، وتناولت الطبق الذي وضعته ابنتي أمامي بآلية، وردّدت عبارات ثناء هزيلة لم تقنع ابنتي بأنها مشروع طباخة ماهرة.

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025
Enlarge fontReduce fontInvert colorsBig cursorBrightnessContrastGrayscaleResetMade by MONGID | Software House