نوادر الحروب - حنان باكير
لو لم تكن تلك المرأة تخصّني، وكنت شاهدة على الحادثة، لكنت اعتبرتها هذيان حرب، أو قصة متخيّلة، لا أحد يجادل في وحشية الحروب وقسوتها. ولكن.. ألا نملك الوقت والفرصة للضحك، وللنوادر التي تأخذنا بعيدا عن أجواء الرعب، ولو قليلا، لنتزوّد ببعض الطاقة، قصص قد لا تكون مضحكة في ذلك.
حدث ذلك العام 1986، وخلال ما نسميه حرب المخيمات في لبنان. دخل المسلحون الى بيت سميرة، حملوا ما راق لهم من أشياء ثمينة، بعد أن احتجزوا العائلة في غرفة الجلوس. ثم اقتادوا رجل البيت معهم، وبدأوا بضربه بالجنزير الحديدي، وسال دمه في البيت وعلى مدخله.
كانت أسماء القتلى والجرحى، في الصحف هي الوسيلة الوحيدة، لمعرفة أسماء ومصير المخطوفين. صباح اليوم التالي قرأت سميرة اسم زوجها مع الجرحى في مستشفى الجامعة الأميركية، ذهبت الى هناك ترافقها أخت زوجها.
كان غارقا في كوما، ولفّ كامل الجسد المنتفخ والوجه بالشاش الأبيض. لم يظهر منه الا رموش عينيه الطويلة، وشامة عند رقبته البيضاء. قامت الزوجة والأخت بما يتطلبه الوضع الصحي للرجل الحاضر/ الغائب. باعت ما تبقى لديها من مصاغ، لتأمين نقله الى غرفة لائقة، وطبيب مختص، ساعدها في ذلك صديق الزوج الميسور الحال.
في اليوم التالي، جاءت امرأة تولول بلهجتها اللبنانية وتبكي زوجها والذي يحمل نفس الاسم، صدمت سميرة في البداية. ولكن العراك ما لبث ان دبّ بين الزوجتين المتشاركتين في رجل واحد، وكل واحدة تدّعي انها الزوجة الحقيقية، ثلاثة أيام بلياليها، بقيت النسوة الثلاث يتقاسمن الغرفة مع الرجل/ الجثة.
انتاب الغضب سميرة. تنظر الى الزوج المسجّى، وتخاطبه في سرّها: طيّب! عملتها يا ابن... ليس وقت تصفية الحسابات الآن، عندما تستعيد عافيتك، يكون لكل حادث حديث، الآن عرفت سرّ تقصيرك في مصاريف البيت، وذريعتك الغلاء، الغلاء لا يشمل الزواج الثاني.. ويا ليتها كانت أجمل مني!!
عندما التقيتها في صالون المستشفى، قلت لها: المهم الآن أن يستعيد وعيه وعافيته، ثم انت يا عزيزتي تعرفين أن الشرع يعطيه الحق مثنى وثلاث ورباع، فلم الغضب؟ أجابتني بعصبية: ممكن تخرسي .. فخرست.
في نهاية اليوم الرابع، قالت سميرة لأخت الزوج: لأبي صديق يسكن في القرب، سنذهب الى هناك للإستراحة قليلا، وندعو تلك اللعينة تحرسه. هناك بكت المرأة زوجها وندبته، وصديق الوالد يهدئ من روعها وكذلك زوجته. بعد كوب من الليموناضة، غادر الرجل مستئذنا لبضع دقائق.. ثم عاد مصطحبا الزوج الذي يفترض أنه مسجى في المستشفى.. ولشدّة الإرهاق والصدمة، أغمي على المرأتين.
تبيّن ان الرجل، عندما وجدته سيارة الإسعاف، نقلته الى المستشفى، وتم أخذ كل المعلومات عنه. وبعد ساعات، سمع أصوات المسلحين يسألون عن الجرحى الفلسطينيين، وشهد تصفية أحدهم، فهرب من المستشفى دون إبلاغ الإدارة. ويبدو انه تمّ إحضار الرجل الاخر الذي يحمل ذات الإسم الاول والثاني. ولاستحالة العودة الى البيت، بسبب الحواجز وعدم امتلاك الملابس، لجأ الى بيت الصديق.
لاحقا.. عندما سألت سميرة، إن كانت نادمة لخسارتها المادية وذهبها وخاتم عرسها الألماس.. أجابت: الله لا يردهم! المهم أنه ليس متزوجا.