الانتظار - حسن الكاشف
لا يملك اهل غزة خيارا غير الانتظار. وها هي الاسابيع تمضي بطيئة ثقيلة دون ان تصل اغاثة، او تبدأ ازالة الانقاض الجاثمة على ما كان المواطنون المنكوبون يمتلكونه، ودون ان يتمكن المفجوعون بفقدان الاحبة من انتشال جثامين كثيرة لا تزال تحت انقاض بعض المنازل والعمارات السكنية المدمرة تقول سيدة هدها الحزن والعجز لتلفزيون محلي، لم نتمكن من انتشال احد من الشهداء، كانت تجلس فوق ركام منزلها، اشارت الى فجوة بين سقف وسقف وقالت: هنا كان اولادي وعمي و.. و.. لم تصل الآليات الثقيلة، وكل محاولاتنا كانت بالايدي، فقط انتشلنا اربعة ارجل. !! من يحتمل كل هذا الحزن الذي يفتت القلوب ويدمر الاعصاب؟!
من يحتمل وصول حكومة لم تصل، او لم يمكنوها من الوصول والعمل، وانتظار مصالحة حقيقية لا يتوقف احد من الفرقاء والشركاء واهل الرأي عن الحديث عن ضرورتها واهميتها دون ان تصل، وانتظار تأمين سكن مؤقت لمن فقدوا المنازل، ورغم كل الوعود يظل معظمهم دون سكن مؤقت، ويتواصل الانتظار الطويل.
معظم الجهات الفلسطينية لا تنفذ وعودها الكثيرة المتكررة، لا شيء يصل سوى الانتظار واهمال الاعلام لاصحاب الانتظار، مع ان لكل واحد فيهم قصة ومأساة.
استثناء وحيد في حالات الانتظار وكان انتظارا قصيرا، غادر مئات الشباب قطاع غزة عبر الانفاق بحثا عن فرصة عمل او فرصة حياة. وركبوا البحر دون ان يصل اي منهم، غرقوا او اغرقوا، كانت النجاة من نصيب البعض القليل، والاخرون الكثر الذين لم يعرف احد بعد اعدادهم، ماتوا، ولم تصل جثامينهم الى ذويهم الذين بدأوا رحلة الانتظار.
كم فقدت الطبقة السياسية من ثقة المواطنين؟، كم بقي من الرصيد القليل للفصائل والقوى .. كم؟
من المسؤول القادر؟
اشاع الاتفاق الاخير بين السلطة الوطنية واسرائيل والامم المتحدة املا في بداية نهاية لهذا الانتظار، فالامم المتحدة اذا ما وصلها شيء فانها تقوم بتوزيعه بعدالة وامانة ودون تمييز. نعم اصبحت الامم المتحدة، الاونروا تحديدا موضوع ثقة، هل انتهت سنوات الثورة ورفض الانتظار في طوابير امام مراكز الاونروا؟ .. هل ؟
لو كانت اسباب استمرار الانتظار خارجة عن الارادات الفلسطينية لما فقدت بعض الاطراف الفلسطينية معظم رصيدها، لكن معظم الاسباب .. معظم المسؤولية تقع على الاطراف الفلسطينية التي تقف اختلافاتها حائلا بين اهل غزة وبين وداعهم لحالة الانتظار.
حتى تكتمل الصورة السلبية، فان نسبة من اصحاب الانتظار تستطيع استئجار شقة تصطدم الان بارتفاع الايجارات واستغلال اصحاب البيوت والشقق لحاجة المنكوبين ورفعت الايجارات التي باتت فوق طاقة المنتظرين.
يتحول الانتظار الذي يتراكم مع ضعف الامل الى حالة من اليأس والانفجار، وما اصعب يأس الفلسطيني من الفلسطيني.
جرس انذار يدوي، فقد وصل الفلسطيني هنا الى حالة من اليأس، ولم يعد مستعدا لسماع مبررات او اتهامات او مغالبات كلامية.
يحمل كل صباح نبأ موت احد جرحى العدوان، نبأ ارتفاع عدد الشهداء، ولا يحمل لنا الصباح مانحتاجه من اخبار تنهي حالة الانتظار التي وصلت الى حافة حالة اليأس والانفجار.