زكية شموط في ذمة الله - عيسى عبد الحفيظ
ابلغني سفير دولة فلسطين بالجزائر بخبر وفاة الأخت المناضلة زكية شموط، ودفنها هناك. تمتد معرفتي بالشهيدة الراحلة الى سنوات طويلة منذ وجودي بالجزائر حيث كان لي شرف التوقيع على استلام أكثر من ألف مناضل منهم مئة اسير من الداخل، بالاضافة الى اكثر من ألف من معتقلي معسكر "انصار"، وشاركتني في التوقيع سمو الأميرة دينا عبد الحميد.
حضرت الفقيدة الى الجزائر ضمن صفقة تبادل الأسرى بالجنود الاسرائيليين أثناء اجتياح لبنان. أيضا ضمت الصفقة اعادة محتويات مركز الأبحاث الفلسطيني الذي قامت القوات الاسرائيلية بنهب محتوياته التي اشتملت على كتب نادرة وجرائد ومجلات اكثر ندرة يعود تاريخها الى العشرينيات من القرن الماضي.
حضرت زكية شموط وزوجها ضمن المفرج عنهم. وكانت الشروط الاسرائيلية ألا يسمح لأي مواطن من فلسطينيي 1948 بالبقاء داخل الوطن، وهكذا تم ترحيل زكية شموط وزوجها محمود الى الجزائر، لكن ظلت بقية العائلة من بناتها في الناصرة، وهذا ما شكل قضية انسانية ووطنية بالنسبة لنا جميعا وخاصة للأخ الشهيد ابو جهاد كونه مسؤول القطاع الغربي الذي كانت الفقيدة تنتمي اليه. أصر ابو جهاد ان نعمل جهدنا لاحضار الاولاد الى الجزائر. نقلت رغبة ابو جهاد الى رئاسة منظمة الصليب الأحمر الدولية، وكان رئيس قسم الشرق الاوسط في المنظمة المذكورة حضر على متن إحدى الطائرات الفرنسية التي اقلت المناضلين المفرج عنهم، والتي انطلقت من مطار تل ابيب مرورا بالقاهرة في طريقها الى الجزائر.
لم تنقطع زكية شموط "أم مسعود" عن مواكبة المسيرة النضالية الفلسطينية والتي رافقتها في السجن وكانت من الأخوات المناضلات اللواتي تم تحريرهن من سجون الاحتلال على ما أذكر الاخت تيريز هلسة ابنة المدينة الاردنية والتي بقيت في حيفا بعد النكبة، والاخت آمنة الخياط وعدد آخر من المناضلات اللواتي غابت اسماؤهن عن الذاكرة التي أصابها الهرم.
عانت أم مسعود من آلام الغربة ولم يهدأ لها بال حتى تم استقدام كل أولادها الى الجزائر.
أيضا واجهت عدة اشكالات مادية فيما يخص السكن والذي هو بالجزائر ليس بالقضية السهلة حتى من الجانب الاداري، فالعاصمة مكتظة الى درجة تفوق طاقتها بعدة مرات نظرا للهجرة من الريف الى المدينة، ومن مدينة صغيرة الى العاصمة التي تشكل عصب الحياة الاقتصادية في معظم بلدان العالم الثالث.
لكن معرفة الاخوة في القيادة بدور زكية شموط وزوجها كانت يحتم عليهم وعلينا جميعا تأمين حياتها وحياة أسرتها بشكل يليق بتلك المناضلة، وهنا لا بد ان أنوه بموقف الراحل الشهيد زياد الأطرش قائد قوات الساحة الجزائرية تنازله عن بيته في العاصمة والذي كان قد منحته أياه وزارة الدفاع الجزائرية لصالح زكية وأسرتها.
الآن، زكية شموط ( أم مسعود) تحت الثرى، وان كانت امنيتها ان تعود الى الناصرة وتدفن هناك.
لكن عقبات الاحتلال كثيرة ومعقدة، فالفلسطيني صاحب الأرض ممنوع حتى من امتلاك متر واحد مربع تحت الأرض يرقد فيه ملامسا جذور اشجار الزيتون (العتقي).
إذاً، نهاية زكية شموط في قبر ما على أطراف العاصمة الجزائرية. لا بأس يا أم مسعود فالصقور لا يهمها أين تموت.