"تهويمات.. لأعياد منسية" - حنان باكير
هنا في المنافي البعيدة، نفقد ونفتقد أشياء كثيرة اعتدناها. فالأعياد تصل هنا، مثل هدية مكسورة. فهل نفرح بها!؟ رسالتان مقتضبتان، أوحتا لي بتغريدة أو هي بالاحرى تهويمة لأعيادنا المنسية.
أرسلت " إيميلا" للأستاذ بشار برماوي. جاءني الرد سريعا، مع تهنئة بالعيد! كنت نسيت أننا على ابواب عيد الأضحى المبارك فلم أهنئه بالعيد! فهل ينسى أحد ما العيد! وقد كنا نحلم بالفستان الجديد.. وحذاء العيد الجديد، ينام قرب مخدتنا، حتى صار رمزا للفرح، فنقول: مثل صرماية العيد!!
نعم أنا نسيت العيد. والسبب مقاطعتي لكل وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وهذا دأبي عندما أكون محبطة، من أوضاعنا العربية والفلسطينية. فغافلني العيد ولم أنتبه له!
وساهم البرفيسور عادل الأسطه، بقسط من حالة الإحباط، عن غير قصد طبعا، وذلك بعد أن أنهيت قراءة نصه الروائي "ليل الضفة الطويل" للمرة الثانية. ونقله نبض الشارع الفلسطيني من العامل البسيط والسائق وصعودا الى أعلى الطبقات! وهي تنقل معاناة شعب تحت الاحتلال، في تفاصيل حياته اليومية.
وفي نفس المعنى قرأت قبل مدة نصا للشاعر فراس حج محمد، حول هذا الموضوع، فأحبطني ايضا، وددت أن أرد عليه بنص آخر، وحتى الآن لم أفعل.. لكني كتبت له في لحظتها: إن وطنا على صليب، أفضل ألف مرة من ذل اللجوء! فأن تكون لاجئا، ينقص من مرتبتك "برستيجك" الاجتماعي، حتى لو كنت في وضع أفضل من مواطني الدولة المضيفة بألف ألف مرة! ناهيك عن تشكيلة المعاناة من القمع والقهر والاضطهاد.
ما دمت في موقف التبرير لنسيان العيد، وتهنئة الأستاذ بشار برماوي، فإني أجد سببا آخر للنسيان، وهو أننا تربينا ونشأنا، على لازمة "عيدنا عودتنا". وأن الأعياد هنا لا طعم لها.. واعتدنا سماع بعض التعابير في مناسبة العيد، من أهلنا، "بالعودة لبلادنا. والعيد الجاي نكون بفلسطين. وبجمع الشمل. وبهداة البال. وأن المعمول في بلادنا كان طعمه غير شكل!! وكيف كانوا يجتمعون، كل يوم في بيت لتحضيره، كان المعمول مشروع عمل جماعي للناس.. لا يهم كان عيد الأضحى أو عيد الفصح!!
وفي فترة انبعاث المقاومة استبدلنا تلك التعابير، بأخرى تحمل أملا أكبر وتفاؤلا أكثر.. مثل "بالنصر ان شاء الله، أو بالتحرير الكامل لأرضنا، أو نعيد بالبلاد".
وكانت زيارة مقابر الشهداء، ضمن طقوس جميع الفلسطينيين، وكثر من هؤلاء الشهداء، استشهدوا ببنادق عربية وفلسطينية أيضا.. وفي العيد تزدحم وتتزاحم صور الشهداء، في أزقة المخيمات، وبعض جدران المباني والمحلات المحيطة! وتتحول القبور الى حدائق غناء، من الورود الطبيعية والبلاستيكية. وسعف النخيل، وباقات الريحان.. البخور المشتعل عند كل قبر، يخلق طبقة ضباب كثيف، يخترقه النواح والعويل. وتوزيع المعمول عن أرواح الأعزاء..
هذه تهويمات لا تتناسب مع تغريدة صباحية في يوم عيد، بل قد تكون اقرب الى نعيب غراب، ولا تنسجم مع عيد يفترض انه سعيد! لكني أقول لكم بمحبة "العيد الجاي بفلسطين"!