ثلاثون عاما على استشهاده: صباح الورد يا ماجد
فضل عطاونة: " صباحُ الورد يا ماجدْ.. صباح الوردْ، ُقمِ اقرأ سُورةَ العائدْ.. يا لحم الفلسطينيِّ, يا خبز المسيح الصَلْبَ, يا قُرْبَان حوض الأبيض المتوسط ... يا سجادة الوثنيِّ , يا كهف الحضارات القديمة, يا خيام الحاكم البدويِّ, يا درع الفقير ويا زَكَاةَ المليونير, ويا مزاداً زاد عن طلبات هذي السوق, يا حلم الفلسطينيَّ في الطرقات, يا نهراً من الأجساد في واحدْ تجمِّع , واجمع الساعدْ.."
بهذه الكلمات رثى الشاعر الكبير الراحل محمود درويش القائد والثوري والإعلامي والأديب ماجد أبو شرار، في قصيدة حملت عنوان "اللقاء الأخير في روما".
ولأن ماجد مثل قيمة فكرية ونضالية وإنسانية وأدبية، و كفاءة في التنظيم وقدرة فائقة على العطاء والإخلاص في الانتماء.. لهذا، وقبل 30 عاما، في صبيحة يوم التاسع من تشرين اول 1981، لم تستطع إسرائيل أن تحتمل أفكاره التي جاد بها قلمه، كما لم تحتمل من قبل كتابات غسان كنفاني، وكمال ناصر وكمال عدوان، فدبر له عملاء الموساد شراكا قاتلة، حيث انفجرت تحت سريره قنبلة في أحد فنادق روما أثناء مشاركته في فعاليات مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
الراحل ابو شرار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأمين سر مجلسها الثوري ومسؤول الإعلام المركزي الفلسطيني، ولد وترعرع في بلدة دورا جنوب غربي الخليل عام 1936، وأنهى مرحلة الابتدائية في مدارسها، وهو الأخ الأكبر لسبعة من الأبناء الذكور الذين رزق بهم والدهم الشيخ محمد عبد القادر أبو شرار، ومعهم ثلاث عشرة أختا.
كان والده يعمل فنيا للاسلكي في حكومة الانتداب البريطاني حتى إذا اندلعت حرب 1947/1948 التحق بجيش الجهاد المقدس بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني ضابطا في جهاز الإشارة . وعندما حلت الهزيمة بالجيوش العربية صيف 1948 آثر مرافقة الجيش المصري الذي انسحب إلى قطاع غزة مع كل أفراد أسرته على أمل أن يعاود ذلك الجيش، باعتباره العمود الفقري للجيش العربي، الكرة من جديد في محاربة الكيان الصهيوني الذي بدأ يفرض وجوده على الأراضي الفلسطينية المغتصبة.
لكن الرجل بقي في غزة واستقال من الخدمة العسكرية عندما ران الجمود على جبهات القتال وألقت الهدنة الدائمة بظلالها الكئيبة على حدود فلسطين المغتصبة ، واستفاد أبو ماجد من دبلوم الحقوق الذي كان يحمله، فعمل مسجلا للمحكمة المركزية بغزة ثم قاضيا ، ثم تقاعد وعمل محاميا أمام المحاكم الشرعية حتى وفاته عام 1996 بمدينة غزة.
وفي غزة درس ماجد المرحلة الثانوية، وفيها تبلورت معالم حياته الفكرية والسياسية ثم التحق عام 1954 بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ومنها تخرج عام 1958م حيث التحق بأمه وإخوانه الذين كانوا قد عادوا -من أجل الحفاظ على أملاكهم- إلى قريتهم دورا قضاء الخليل /جنوب الضفة الغربية بينما بقي الوالد مع زوجته الثانية وأنجالها في قطاع غزة.
في الأردن عمل ماجد مدرسا في مدرسة قضاء الكرك ثم أصبح مديرا لها ثم سافر إلى الدمام ليعمل محررا في صحيفه يومية هي "الأيام" سنة 1959م.
وكان ماجد في غاية السعادة حين وجد نفسه يمتلك الوسيلة العصرية للتعبير من خلالها عن أفكاره السياسية والوطنية ، وفي أواخر عام 1962 التحق بحركة "فتح" حيث كان التنظيم يشق طريقه بين شباب فلسطين العاملين في تلك المنطقة التي عرفت رموزا نضالية متميزة في قيادة فتح.
وفي صيف 1968 تفرغ ماجد أبوشرار للعمل في صفوف الحركة بعمان في جهاز الإعلام الذي كان يشرف عليه مفوض الإعلام آنذاك المهندس كمال عدوان، وأصبح ماجد رئيسا لتحرير صحيفة "فتح" اليومية ، ثم مديرا لمركز الإعلام ، وبعد استشهاد كمال عدوان أصبح ماجد مسؤولا عن الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحد ، ثم اختاره إخوانه أمينا لسر المجلس الثوري في المؤتمر الثالث للحركة .
ولقد كان ماجد من أبرز من استلموا موقع المفوض السياسي العام إذ شغل هذا الموقع في الفترة ما بين 1973-1978، وساهم في دعم تأسيس مدرسة الكوادر الثورية في قوات العاصفة عام 1969 عندما كان يشغل موقع مسؤول الإعلام المركزي ، كما ساهم في تطوير مدرسة الكوادر أثناء توليه لمهامه كمفوض سياسي عام.
وكانت لماجد مواقف حازمة في وجه الأفكار الانشقاقية التي كانت تجول بخلد بعض رموز اليسار في صفوف حركة "فتح " فلا أحد منهم يستطيع المزاودة عليه فهو ذو باع طويل في ميدان الفكر، وكان سببا رئيسيا في فتح الكثير من الأبواب المغلقة في الدول الاشتراكية أمام الثورة والحركة.
ماجد كفاءة إعلامية نادرة ، كما هو قاص وأديب، ولقد صدرت له مجموعة قصصية باسم "الخبز المر" كان قد نشرها تباعا في مطلع الستينيات في مجلة "الأفق" المقدسية ، ثم لم يعطه العمل الثوري فسحة من الوقت ليواصل الكتابة في هذا المجال. كان ماجد ساخرا في كتاباته السياسية في زاويته "جدا" بصحيفة "فتح"، حيث اشتهر بمقالاته : صحفي أمين جدا، وواحد غزاوي جدا، وشخصية وقحة جدا، وواحد منحرف جدا.
وعقب اغتياله، لم ينس شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش، ان يرثيه في واحدة من اجمل قصائده، حملت عنوان "اللقاء الاخير في روما":
صديقي , أخي ’ يا حبيبي الأخيرا
أما كان من حقِّنا أن نسيرا
على شارعٍ من تراب تَفَرَّعَ من موجةٍ مُتْعَبَهْ
وسافَرَ شرقاً إلى الهند
سافر غرباً إلى قُرْطُبَهْ؟
أما كان من حَقَّنا أن ننام ككُلِّ القِطَطْ
على ظلِّ حائطْ؟
أما كان من حَقِّنا أن نطيرا
ككُلِّ الطيور إلى تينةٍ مُتْرَبَهْ....؟
صديقي , أخي ’ يا حبيبي الأخيرا
أما كان من حَقِّنا أن نُغَنِّي
لِعَيْنَيْنِ بُنِّيَّتينِ تُقيمان ما بيننا والإله
معاهدةً للسلام؟
أما كان من حقِّنا أن نحبَّ, ونلعنها أورشليم
إذا ما ادعى الكذبَ فيها نبيُّ الظلام؟
فقد يكذب الأنبياءُ
وقد يصدق الشعراء كثيرا....
صديقي , أخي , يا حبيبي الأخيرا
أما كان من حَقِّنا أن نرى ما يراهُ
وما لا يراهُ أُولو الأمر فينا؟
أما كان من حَقِّنا أن نقول الكلامَ الذي لا يُقَال
الكلامَ الذي يَنْتَقِي من غُموض الفصول
وُضُوحَ النصال
الكلامَ الذي ينتقي من وضوح السيول
غُموضَ قُوى الروح فينا؟
صديقي ,أخي ’ يا حبيبي الأخيرا
أما كان من حَقِّنا أن نداعب قِطِّةْ؟
أما كان من حَقِّنا أن نرى وردةً
دون أن نَتَوَجَّسَ فيها دماً قادماً من مكان قريب؟
أما كان من حَقِّنا أن نُصَدِّق أن لروما قَمَرْ
وأن لروما شَجَرْ
أما كان من حقِّنا أن نسافر داخل هذا السفرْ
أما كان من حَقَّنا يا حبيبيَ
أن نسند التَعَبَ الحُلْوَ فوق حَجَرْ
أما كان من حقِّنا أن نسيرا
صديقي ’ أخي ’ يا حبيبي الأخيرا
-2-
مِنَ الصعْبِ أن أتأمَّلَ وَجْهَ حبيبي
ولا أغمر الأفُقَ المستديرَ
عَسلْ
من الصعب أن أتحسِّس كَفِّ حبيبي
ولا أحفن السلم منها
كَرَفِّ حَجَلْ
من الصعب أن يتدفَّق صوتُ حبيبي
ولا يتحول قلبي
إلى فَرَس مِنْ أمَلْ
حبيبي , من الصعب أن أتأمِّلَ موت حبيبي
ولا أرميَ الأرض
في سلة المهملات...
-3-
....وماذا بعد هذي الأرض , ماذا
وزندُكَ شارعٌ’ وأنا رحيلُ
ثَقَبْتُ الأرضَ بحثاً عن سواها
فأسندني , لأسندها , الجليلُ
فضَاءُ ’ أنتَ صُرَّتُهُ ’ وحيداً
وحقلٌ , أنت طائرُهُ الجميلُ
ولو ’ لو أستطيع حميتُ قلبي
من الآمال...لكني عليلُ
لنا جسدان من لُغَةٍ وخيلٍ
ولكن , ليس يحمينا صهِيلُ
وكان السجنُ في الدنيا مكاناً
فَحَرَّرنا , ليقُتلَنا , البديلُ
أَنا أرضُ الأغاني وهي ترمي
بِمَدحِكَ حنطةً ... وأنا القتيلُ
أنا أعلى من الشعراء شنقاً
وأدناهم إلى عشبٍ يميلُ
أُحبُّكَ ’ إذْ أُحبُّ طلاق روحي
من الألفاظ , والدنيا هديلُ
ولو ....لو أستطيع رفعتُ حيفا
كقنطرةٍ , لتبلغك الخليلُ
أحقاً أنَّ هذا الموت حَقٌ
وأن البحر يطويه الأصيلُ
وأن مِسَاحَةَ الأشياءِ صارتْ
حُدُودَ الروح مُذْ غاب الدليلُ
-4-
صباحُ الخير يا ماجدْ
صباح الخيرْ
قُمِ اقرأَ سُورَةَ العائدْ
وحُثَّ السَيْرْ
إلى بلدٍ فقدناهُ
بحادث سيرْ
صباحُ الورد يا ماجدْ
صباح الوردْ
قُمِ اقرأ سُورةَ العائدْ
وشُدَّ القَيْدْ
على بَلَدٍ حملناهُ
كوشم اليدْ
صباحُ الخير يا ماجدْ
صباح الخير والأبيضْ
قم اشربْ قهوتي , وانهضْ
فإن جنازتي وَصَلَتْ . وروما كالمُسَدَّس ,
كُلُّ أرض الله روما , يا غريب الدار , يا لحماً يغطي الواجهات وسادة
الكلمات , يا لحم الفلسطينيِّ , يا خبز المسيح الصَلْبَ , يا قُرْبَان حوض
الأبيض المتوسط ... اختصر الطريق عليك يا لحم الفلسطينيِّ , يا سجادة
الوثنيِّ , يا كهف الحضارات القديمة , يا خيام الحاكم البدويِّ , يا درع
الفقير ويا زَكَاةَ المليونير , ويا مزاداً زاد عن طلبات هذي السوق , يا حلم الفلسطينيَّ في الطرقات , يا نهراً من الأجساد في واحدْ
تجمِّع , واجمع الساعدْ
....ويا لحم الفلسطينيِّ فوق موائد الحُكِّام , يا حَجَر التوازن
والتضامُنِ بين جَلاَديكَ . حَرْفُ الضاد لا يحميك , فاختصر الطريقَ عليك يا لحم الفلسطينيِّ , يا شرعيَّةَ البوليس والقدِّيس إذ يتبادلان الاسم , إذ يتناوبان عليك, يمتزجان , يتحدان , ينقسمان مملكتين , يقتتلان فيك , وحين تنهض منهما يتوحَّدان عليك يا لحم الفلسطينيِّ , يا جغرافيا الفوضى
ويا تاريخ هذا الشرق , فاختصر الطريق عليك ... يا حقل التجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة ’ أيها اللحم الفلسطينيُّ ’ يا موسوعة البارود منذ المنجنيق إلى الصواريخ التي صُنِعَتْ لأجلك في بلاد الغرب , يا لحم
الفلسطينيَّ في دُوَل القبائل والدويلات التي اختلفت على ثمن الشَّمَنْدَرِ, والبطاطا , وامتياز الغاز , واتَّحَدتْ على طرد الفلسطينيَّ من دَمِهِ
تَجَمِّعْ أيها اللحم الفلسطينيُّ في واحدْ
تَجَمَّعْ واجمع الساعدْ
لتكتبَ سُورَةَ العائدْ....