مصالحة إلا ربع!- د. صبري صيدم
اتفاق مكة واتفاق القاهرة وإعلان الدوحة واتفاق الشاطئ كلها لم تقد دفة المصالحة إلى مساحة النور ولم يعش معها الشعب الفلسطيني وبكل تجرد إلا نشوة مجزوءة تنتهي مع انتهاء كل احتفال مخصص لإشهار كل اتفاق أو إعلان.
واليوم نقف أمام حقيقة يكرهها المتفائلون ويستدل بها المتشائمون بأن المصالحة ليست فاعلة ولا حاضرة بل مستترة ومعتلة وملتهبة بنار الضياع والمواقف والتصريحات النارية واغتيال المنصات وتفجير البيوت وفرقعة المركبات ومنع الاحتفالات واعتقال الناس.
المصالحة يلقى بها من سطح العمارات كل يوم واطلق النار على ركبها وتسحل في شوارع الوطن الجريح ليس لأن مجتمعنا يكرهها بل لأن عصبة ما أو فريقا معيناً لا يريد لهذه المصالحة أن تخرج إلى حيز الوجود لأن لوناً واحداً أهم من علمٍ بأربعة ألوان وأجدى من قضية تحرق أفواه أصحابها بالنار وتشنق في حافلات التيه وتقسم زمانياً ومكانياً حتى تطحن في غياهب الفشل.
هذا كله يحدث أمام ناظري خصم لا يمانع في سحق هويتنا ومحق وجودنا وطمس حقوقنا ودفننا جميعاً في كتب التاريخ. ولو أن حكومة اليمين المتطرفة اليوم في تل أبيب قد ولدت في الماضي القريب بعيداً عن وجود الإنترنت والبث اللحظي الفضائي لدارت المفرمة الصهيونية بوتيرة أعلى وأسرع وصولاً إلى شطبنا.
خصم يصب الوقود في فم الأطفال فيحرقهم ويشنق المدنيين الفلسطينيين العاملين لديه ثم يدّعي انتحارهم ويحجب الآذان في المساجد العربية ويفتح الباب مشرعاً لمستوطنيه الحاقدين ليحرقوا المساجد والكنائس بينما يقابله بعض من أبناء جلدتنا بأن يتركوا هذا جانباً ويخصصوا الوقت والجهد لتصفية حساباتهم الفصائلية المتحجرة.
أما كفانا تضليلاً وادعاءً وكفراً؟ أما كفانا تنّقلاً بين عالم الطهر والإلحاد بصورة تفوق سرعة الصوت وحتى الضوء؟
ما هو المطلوب؟ أن تنتصر الإمارة على القضية؟ أم أمراء الحرب على مسيرة التحرير؟ أم ينتهي المشروع الوطني بفعل الإشغال والمشاغلة الداخلية؟
الحياة ليست انقساماً وليست تفككاً وتشّرخاً! الحياة النضالية الوطنية الهادفة هي في وحدة الحال وطرد الشوائب والاقتناع بأن ضحايا الموت لم يعودوا قادرين على تحمل الحروب المتعاقبة والدمار المادي والمعنوي وصولاً إلى انهيار مشروع الوطن ومسيرة الخلاص.
اليوم قرر البعض أن يخوّن أبو عمار ويغتال ذكراه ويحاسب المحتفين بإرثه! لماذا؟ وما المطلوب؟ وإلى أين المسير؟ إلى حياة تسر الصديق أم إلى مماتٍ يغيظنا نحن ويفرح أعداء الذات والروح والوحدة.
المصالحة ليست حكومة وليست راتباً وليست وظائف وليست شكليات وليست خطباً ولا حتى اتفاقيات وإعلانات وابتسامات تائهة كاذبة! المصالحة إما وحدة حقيقية صادقة نرجوها جميعاً أو مصالحة إلا ربع لا نرى فيها إلا ضحكاً على اللحى! عندها من الأجدى أن نقول وداعاً فلسطين!
s.saidam@gmail.com