ولكنها ليست "بطولية" !... - حسن البطل
عملية خطيرة، وقد تكون تداعياتها أخطر. هذا ما يمكن قوله، الآن، عن مقتلة في كنيس "هارتوف".. ولتقل الفصائل ما تقول، من تبرير إلى إشادة، ومن وصف يرفعها إلى البطولة.. وربما من إدانة الفصائل لإدانة السلطة لها!
سنضع جانباً القول: ها قد مرت 20 سنة على أوسلو، فها قد مرت، أيضاً، 20 سنة على مذبحة أودت بحياة 29 فلسطينياً اقترفها الطبيب باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي.
كانت هذه الطلقة الأولى، التي أصابت بجراح ثخينة اتفاقية أوسلو، وكانت الطلقة الثانية قد أصابت في مقتل "شريك أوسلو" اسحاق رابين، والثالثة كانت لئيمة وأودت بحياة عرفات.. والانتفاضة الثانية معاً.
لماذا هي خطيرة؟ لأن المذبحة التي اقترفها مستوطن من "كريات أربع" أسفرت عن تقسيم الحرم الإبراهيمي، وإغلاق شارع الشلالة (الشهداء) حتى الآن.
غلاة اليهود المستوطنين وصفوا القاتل السفّاح بأنه "قديس" وأقاموا له "ضريحاً"، وبعد فعلته الشنعاء والمنكرة بدأت حقبة "العمليات الانتحارية" التي تسببت تداعياتها في صعود اليمين إلى الحكم في إسرائيل.
إنها عملية عنف فلسطيني مضاد للعنف الإسرائيلي: الرسمي بتمادي الاستيطان، وغير الرسمي بهجمات "شارة ثمن" التي لم توفّر إحراق مساجد، وعمليات قتل متفرقة.. والأخطر نوايا مضمرة أو معلنة لتكرار سابقة تقسيم الحرم الإبراهيمي على تقسيم الحرم القدسي.
هذه عملية تهدد بنقل الصراع بين شعبين إلى حرب بينهما، في حين تصارع فلسطين سياسياً لتكون دولة، وتصارع دولة إسرائيل ضدها.
كانت عملية اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين درجة في التصعيد، واغتيال الفتى محمد أبو خضير درجة أعلى، وتلتها موجة استفزازات يهودية في الحرم القدسي من جانب نواب ووزراء، على رغم أن الحاخام الأكبر يوسف وشقيقه اسحاق ضد هذا "الحجيج" من جانب أتباع ما يسمى "الصهيونية الدينية" التي لها وزراء في حكومة نتنياهو، مثل وزير المالية نفتالي بينيت، ونواب في الكنيست!
ألقت إسرائيل بمسؤولية اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين على جناح منفلت في حركة "حماس"، ثم تبنت "حماس" لاحقاً العملية خلال أو بعد حرب ثالثة "الجرف الصامد" على غزة.
إن "حماس" طرف حاكم في غزة، وطرف في مساعي الوحدة الوطنية المتعثرة، لكن إن صحّ إعلان الجبهة الشعبية مسؤوليتها عن عملية الكنيس، فهذا أمر له تداعياته، لأنها عضو في منظمة التحرير الفلسطينية.
أن يقوم بعض أعضاء الجبهة باغتيال الوزير المتطرف رحبعام زئيفي، رداً على اغتيال أمين عام الجبهة، أبو علي مصطفى، يمكن القول كما تقول الجبهة: "الرأس بالرأس"، لكن جبهة يسارية لا يفترض في عناصرها شن هجوم قاتل على كنيس، وصب الزيت على نار "حرب دينية" حذّر من مخاطرها رئيس السلطة، وعقلاء كثيرون في إسرائيل.
تلقى كاتب هذا العمود كثيراً من اللوم والتنديد.. وما هو أشدّ منهما، عندما وصف "العمليات الانتحارية" باسمها خلال الانتفاضة الثانية، وميزها عن "العمليات الفدائية" ضد الجنود. فارق كبير ونوعي بين عملية "عيون الحرامية" وايضاً "وادي النصارى" بالخليل و"عين عريك" وتفجيرات انتحارية في المطاعم الإسرائيلية، سبّب آخرها "الاجتياح" أو "السور الواقي" إبّان حكم شارون.
إنه عنف وعنف مضاد للعنف. البعض الفلسطيني يسمي أشكالاً من العنف المضاد الفلسطيني "كفاح مسلح" ثم "مقاومة" ثم "انتفاضة"، والبعض الإسرائيلي يسمي هذا "إرهاباً".
هناك من يرى صفة شعبية غالبة على الانتفاضة الأولى، وصفة نارية غالبة على الانتفاضة الثانية، والآن... صفة سياسية ـ شعبية لإرهاصات الانتفاضة الثالثة.
أياً كانت الصفات والتوصيفات، فإن نتائجها السياسية أهم منها، فهناك من يرى في نتيجة الانتفاضة الأولى صعود حركة "حماس"، وفي الثانية وصولها إلى الحكم.. والثالثة؟ ربما تسير إلى منحى داعشي ـ ديني.. وهذا رأي الزميل حسن خضر (نقطة ضوء ـ الثلاثاء، أمس).
الصراع مشروع، والقتال السياسي والعسكري مشروع، أيضاً، لكن القتل الفردي والجماعي، سواء بمبادرة فردية أو فصائلية غير مشروع، وبالذات إذا ضرب على العصب الديني أياً كان الطرف الذي يضرب عليه.
يعرف الأفراد الفلسطينيون الذين يشنّون هجمات أنهم سيلاقون حتفهم، لكن هذا لا يردعهم. يعرف الأفراد الإسرائيليون، من الجنود والمستوطنين أنهم سيفلتون من عقوبة الموت.. وهذا يشجعهم!
إسرائيل الرسمية لا تهتم بحقيقة أن العمليات الفلسطينية تتم في مناطق خارج السيطرة النسبية للسلطة، وتقوم بتحميلها المسؤولية.. وفي المقابل يفعل بالمثل الفلسطينيون ويحملون حكومة إسرائيل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة لأعمال المستوطنين والجنود.. والوزراء والنواب!
لكن، لا شيء يبرّر حرق جامع، ولا شيء يبرّر هجوماً قاتلاً على كنيس.. وإن كثرت التبريرات، ووصف البعض بعضها بـ "البطولة" !