الكف .. حين تلاطم المخرز- عمر نزال
" الكف لا تلاطم المخرز " هو مثل شعبي شائع في مجتمعنا يستمد قوة شيوعه من حالة العجز والخنوع والدونية، ويستخدم للدلالة على ضعف الفعل او الموقف مقابل قوة الخصم، وكثيرا ما يستخدم هذا المثل في سياق الصراع العربي الصهيوني من فاقدي الارادة لتبرير العجز عن المواجهة واتخاذ مواقف واضحة.
في كثير من التجارب والمحطات ثبت ان هذا المثل لا ينطبق على صراعنا مع المحتل، ففي سياق الصراع المستمر الحق شعبنا العديد من الهزائم بالمحتلين وان لم تصل لمرحلة الهزيمة الكبرى او التامة، كما الحقت المقاومة اللبنانية هزائم متتالية بالاحتلال وصدت عدوانه على لبنان في غير مرة كان اخرها في حرب تموز 2006.
ولعل الصراع المكثف الذي يخوضه الأسير الفلسطيني مع المحتلين منذ لحظة اعتقاله مرواراً بفترة التحقيق وليس انتهاء بوجوده داخل الأسر وظروف حياته هو مثال ساطع على اختلال ميزان القوى المادي بين الطرفين: الاحتلال بكل ادواته وامكانياته ووسائله الفاشية، والمناضل الأسير المجرد من كل قوة سوى ارادته وايمانه بعدالة قضيته، ومع ذلك فقد استطاع " كف " الأسير ملاطمة "مخرز" المحتلين آلاف المرات، بل استطاع في عديد المرات لي هذا المخرز وكسره احياناً، وبدا مخرز ورقي وهمي احياناً اخرى.
وان كانت تجارب فوز الكف على المخرز محدودة نسبياً فيما يتعلق بالتحقيق والمواجهة المنفردة مع المحتل، فان كسب الكف لمعركته مع المخرز تكون مضمونة عندما يتعلق الأمر بالخطوات والمواقف الجماعية للأسرى، وأسطع مثال على ذلك اضرابات المعتقلين.
فعلى مدى تجارب الاضرابات المتواصلة للاسرى في سجون الاحتلال، لم يسجل ان اي اضراب اخفق في تحيق جزء من مطالبه ان لم يكن جميعها، وباتت ادارة السجون تعي معنى ان يصل الأسرى الى اتخاذ قرار بالاضراب، ومعنى مواصلته، خاصة بعد اضراب سجن نفحة الشهير في تموز 1980 والذي استمر 32 يوماً، والذي أدى الى استشهاد الأسرى الثلاثة راسم حلاوة وعلي الجعفري واسحق مراغة.
ومن هنا فان ادارة السجون التي لا تدخر اسلوباً قمعياً وفاشياً في كل اضراب بهدف اجهاضه تبدأ عادة بتجاهل المضربين ومطالبهم ومن ثم مفاوضتهم دون الاستجابة لمطالبهم ثم في النهاية ترضخ مستجيبة لمطالبهم بعد ان تكون قد استنفذت كل وسائل قمعها.
ومن نافل القول ان التضامن والاسناد الجماهيري داخل الأرض المحتلة وخارجها يسهم في دعم معركة الأسرى، فإلى جانب ما يشكله هذا التضامن والاسناد من دعم معنوي يعزز صمودهم ويرفع معنوياتهم ويعينهم على تحمل آلم الأمعاء ومعاناة الاعياء، فانه يشكل ضغطاً ميدانياً على سلطات الاحتلال، ويفتح معارك صغيرة في غير مكان وهو ما لا تريده بالعادة.
ولعل المساندة الجماهيرية الأوسع لأضراب الأسرى الذي استمر عشرون يوماً في آذار 1987 والتي هيأت المناخ ووفرت الأرضية لانطلاقة الأنتفاضة الكبرى بعد ذلك باشهر في كانون أول من ذات العام، قد أوصلت رسالة واضحة للاحتلال بان جماهير شعبنا لا تترك اسراها وحيدين في معاركهم، فالأسرى هم الأخوة والرفاق والأبناء والآباء والأزواج والزوجات والأخوات، وهم فوق ذلك وقود المقاومة وشعلتها وهم في خط الصدام والمواجهة الأول مع الاحتلال.
واليوم ومع اضراب الأسرى الذي بدأ في السابع والعشرين من تموز الفائت، فان حركة الجماهير قد بدأت، والفعاليات المساندة تتدحرج داخل الأرض المحتلة وخارجها، وهي وان لم تزعج الاحتلال حتى الآن فانها ستفعل ذلك لاحقاً بالتأكيد، وهنا تكمن أهمية وضرورة استمرار الفعاليات المساندة وتوسيع رقعتها وتنويع اشكالها وتعميق تأثيرها على الاحتلال، ليكون الفعل الجماهيري الى جانب ارادة وعزيمة الأسرى انفسهم قادراً على الحاق الهزيمة، ولو في هذه الجزئية بآلة الاحتلال القمعية، ولنثبت مجدداً بأن الكف قادرة على ملاطمة المخرز وهزيمته.