برلمانيو فرنسا ينحازون لثقافتهم- عدلي صادق
بعد موقف البرلمان البريطاني، الذي يستأذن مجازاً، آرثر بلفور، صاحب التصريح الأشهر؛ جاءنا موقف الجمعية الوطنية الفرنسية، الذي يهز قبر نابليون بونابرت، أول الداعين الى اقامة دولة لليهود في بلادنا. والموقفان جزئيان بالمعيار التاريخي، ولن يلبيا الحد الأدنى من حاجة البرلمانيين الى طي صفحات التاريخ الامبريالي لبلديهما؛ دون مواقف عملية على حلبة السياسة، تكبح جماح القوة العنصرية الامبريالية المتغطرسة في القرن الحادي والعشرين، التي تستهزئ بالعالم وبالقانون الدولي وبحقوق ضحاياها.
الكتلتان الوازنتان، في الجمعية الوطنية الفرنسية، هما «الحزب الاشتراكي الفرنسي» و»كتلة الاتحاد من أجل حركة شعبية». الأول يساري والثانية ديغولية يغلب عليها وسط اليمين المحافظ. لهاتين الكتلتين 489 مقعداً من 577 في الغرفة الثانية من البرلمان الفرنسي. ولا حاجة للحزب الأول، اليساري، ولا للكتلة الديغولية، لأن يعلمها أي طرف ثالث، كيف يتوجب اقتران الموقف السياسي بالموقف العملي، مثلما فعل ديغول الذي فسخ من جانب واحد، عقد توريد الطراز الأحدث من طائرات ميراج لاسرائيل، تلبية لوعده بأن يتخذ موقفاً ضد الطرف البادئ بالعدوان. فلفلسطين وللعرب ديون كبيرة على الفرنسيين، لا سيما وأن فرنسا، سبقت الولايات المتحدة الى تزويد اسرائيل بالطائرات المتطورة، وهي التي أسست لها البنية الأولى لمشروع الردع النووي. ففي العام 1956 كانت طائرة الهجوم والقصف الاسرائيلية فرنسية الصنع من طراز «سوبر مستير» وفي عدوان 1967 كانت طائرات الميراج القاذفة المقاتلة هي السلاح الاستراتيجي الاسرائيلي الذي حسم الحرب فاحتُل باقي فلسطين وسيناء والجولان. بل ان طائرة «ميراج» صُنعت كمقاتلة وقاذفة في آن واحد، بناء على طلب اسرائيل، بخلاف نسق أسلحة الجو الأميركية والروسية التي يكون فيها طائرات لمهام القصف وأخرى للاشتباك الجوي. واليوم، بعد أن أوشك احتلال 67 على طي العقد الخامس واتمام نصف القرن؛ يتمادى المحتلون في غيهم ولا يتعاطون مع أية مبادرة للتسوية. وقبل أيام، تحدث الفرنسيون عن مبادرة لحل النزاع، فرفضها المحتلون قبل صياغتها، لأنهم علموا أن من بين المقترحات انجاز التسوية في غضون عامين، بينما هم لا يسمحون لأي طرف بأن يحدد سقفاً زمنياً. وربما أحس النواب الفرنسيون من خلال هذا الموقف المتغالظ، أن حكومة اسرائيل تستخف بالفرنسيين الذين أعانوا دولتهم على مر تاريخها، وتنكر جمائلهم، وهم الذين اشتركوا مع اسرائيل وبريطانيا في عدوان 1956 وزودوها بالسلاح الجوي الذي يحسم، في العام 1967.
الاشتراكيون الذين يحكمون في فرنسا، ومن ورائهم الجمعية الوطنية، يسمعون في كل يوم كلاماً سفيهاً ترفضه ثقافتهم. وكان نتنياهو في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، يتحدث أمام الرئيس فرانسوا أولاند، الذي حل ضيفاً على الكنيست، فركز على ضرورة الحصول على شهادة ممهورة بتوقيع فلسطين، تعترف لاسرائيل بأنها دولة يهودية دينية حصراً، يكون فيها المسلمون والمسيحيون غير متساوي الحقوق ولا يحملون في عقيدتهم صفة دولتهم. وبالطبع لم يتوقع المتطرف، أن يخامر الرئيس الفرنسي أي استفهام عن صلة أخرى للمسيحية، بفلسطين التي ولد فيها «يسوع»!
يومها، كان نتنياهو يرثي لحال اسرائيل بالنسبة لما يراه خطراً نووياً ايرانياً. في الوقت نفسه يتبجح قائلاً ان أحداً في هذه الدنيا، لا يستطيع الحاق الهزيمة بهذه الدولة. ثم يعود فيتحدث عن دعاوى لابادة اسرائيل، وكأن أي طرف ذي علاقة بعملية التسوية، يريد لاسرائيل أن تُباد. وقد طرح هذا الافتراض الهلامي، لكي يهرب من متطلبات محددة تتعلق بعملية التسوية التي تعطلت بسبب عربدة اسرائيل، ونكرانها لحقوق الآخرين، ونزوعها الى ابادة وجودهم. كان الكلام ظلامياً فاقداً للمعنى، يمضغه المتطرف في حضرة العلماني الذي يعرف أن الأول، يترأس حكومة عدميّة تذهب بالمنطقة الى شفير هاوية!
لم يكن موقف الجمعية الوطنية أمس، انحيازاً لفلسطين بقدر ما هو انحياز لثقافة الفرنسيين ولسياستهم ولدورهم الذي تستخف به اسرائيل. بل ان الموقف البرلماني الفرنسي، سيُفيد اسرائيل لو أن فيها حكومة تصغي الى منطق العقل، وهي افادة موصولة بصفقات «سوبر مستير» الخمسينيات، و»ميراج» في الستينيات، وبينهما مفاعل «ديمونا»!
adlishaban@hotmail.com