بناء الوحدة الوطنية- حسن الكاشف
لم يكن بناء الوحدة الفلسطينية فوقياً يقتصر على اطار قيادي يضم كل الفصائل وشخصيات وطنية مستقلة، بل كان ذلك البناء صلباً راسخاً يرتفع على قواعد موحدة وأسس واضحة، ولم يكن الاطار القيادي معلقاً في فراغ يهدد بسقوط او تأرجح تجرفه رياح متغيرات او استقطاب.
كانت اطر الوحدة الوطنية قائمة وفاعلة في القطاعات العسكرية وفي قيادات المناطق والمخيمات، وفي القطاع الامني، والقطاع الجماهيري، وفي مجالات الاعلام والاتحادات الشعبية وفي كل الساحات والمجالات.
بهذا البناء انصهر المناضلون في العمل المشترك وخاضوا معارك البقاء والصمود، ونشأت بين القواعد والكوادر والقيادات علاقات زمالة كفاحية وعلاقات انسانية ايجابية طبعت الفعاليات والممارسات التي تنافست فيها الفصائل تنافساً بعيداً عن اجواء العداء والتشاحن والاتهام.
لم يتم تجاهل او استبعاد واستثناء فصيل او شخصية وطنية، وظلت منظمة التحرير الفلسطينية قائدة نضال الشعب الفلسطيني والممثل الشرعي الوحيد لكل الشعب الفلسطيني، وصنع الفلسطينيون معجزة وحدة شعبهم رغم الاحتلال والشتات والمنافي البعيدة، استقوى الفلسطينيون بوحدتهم على فقدانهم لأرض تجمعهم، وكانت تلك الوحدة انجازا تباهى به الفلسطينيون على بعض اشقائهم العرب الذين انقسموا واحترب بعضهم رغم امتلاكهم لارض اوطان تجمعهم.
ما يدفع للتذكير هو بعض ما نعيش من انقسام ما زال فاقداً لامتداد شعبي، فما زال شعبنا موحداً عصياً على الانقسام، لكن بعض ما نعيش مثير للقلق، والبعض الاخر بحاجة الى تجديد وتعميم الاطر الوحدوية التي غاب بعضها، وبهت البعض الآخر، اذا ما اردنا مواجهة هذا الانقسام الذي يرفض ان يغادر وما زال يقاوم بعناد بعيدا عن الحاجة الوطنية الملحة والمصلحة الوطنية المهددة باخطار وتحديات يعيشها الجميع وتهدد الجميع.
قبل اكثر من اربعين عاما، وتحديدا في العام 1972 والسنوات القليلة اللاحقة عاشت الثورة الفلسطينية نهوضا تجسد في بناء اتحادات شعبية تنظم وتؤطر قطاعات مهنية عديدة، الكتاب والصحفيين، والمهندسين، المحامين، الاطباء، الى آخر القطاعات المهنية التي كانت دون اتحادات عامة تضم الجميع، باستثناء الطلاب والعمال، فقد كان الاتحاد العام لطلبة فلسطين نموذجا رياديا مشرقا وقياديا فاعلا قبل الانطلاقة الثانية للثورة الفلسطينية بعد هزيمة العام 1967.
يحضرني هنا جزء من تجربة بناء الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وفي الاشهر التي سبقت انعقاد المؤتمر الاول للاتحاد في ايلول 1972 في بيروت قامت اللجنة التحضيرية بزيارات عمل للساحات التي كان للكتاب والصحفيين الفلسطينين وجود واضح فيها، على هذا الطريق زار الاخ ناجي علوش بغداد، وكان حريصا على اللقاء بكل الفصائل، وكل الصحفيين والكتاب من كل الاجيال ليدعوهم للمؤتمر ويضمن مشاركتهم، بالطبع كان الراحل الكبير جبرا ابراهيم جبرا على رأس المدعوين، وبحث ابو ابراهيم (ناجي علوش) عن الاستاذ برهان الدين العبوشي وكان كبيرا في السن، وبحث عن كل كاتب او صحفي فلسطيني قبل ان يلتقي بكل الفصائل، وما حدث في الساحة العراقية تكرر في كل الساحات، لهذا كان المؤتمر الذي انعقد بنجاح وأسس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ولم يغب عن المؤتمر اسم لكاتب او شاعر او اديب او صحفي معروف الا وكان حاضرا، واذكر المرحوم احمد خليل العقاد وكان مصابا بشلل رباعي وهو يحضر المؤتمر على كرسي متحرك وسط ترحيب واحترام كل الحضور بكل اجيالهم.
هكذا كان يتم بناء الوحدة الوطنية في مؤتمرات الاتحادات الشعبية وفي قياداتها وفي فروعها المنتشرة في كثير من البلدان العربية وبعض البلدان الاوروبية.
اين نحن من هذا المنهج؟! وكم يبدو هذا الانقسام الذي طال حتى بعض النقابات، غريبا عن منهج بناء الوحدة الوطنية؟!!
شعب عصي عن الانقسام يعيش انقساما منذ سنوات!! شعب انجز بناء راسخا لوحدته الوطنية يعيش انقساما منذ سنوات!! الى متى؟!!
alkashef_2011@yahoo.com