الشهيد خالد اليشرطي - عيسى عبد الحفيظ

ولد الشهيد خالد محمد اليشرطي في مدينة عكا التي استعصت على نابليون عندما حاصرها بعد هزيمته في مصر على يد البحرية البريطانية. مكث نابليون على رأس جيش قوامه مئات الآلاف من الجنود عدة اشهر قبل ان يدب اليأس في قلبه ويفقد الامل نهائيا في احتلال تلك المدينة الحصينة، فقال قولته المشهورة: «تحت اسوار عكا المنيعة دفنت احلامي».
عكا مدينة الجزار والظاهر عمر وغسان كنفاني واحمد الشقيري المدينة المستعصية على الغزاة التي قهرت جيوش الفرنجة، التي قيل فيها المثل الشعبي «لو عكا خافت من موج البحر وهديره لما سكنت على الشاطئ».
خالد احد ابناء تلك القلعة الحصينة التي سقطت عام 1948 بأيدي الغزاة الجدد عام النكبة التي دفعت الآلاف من سكانها الى الهجرة القسرية حيث كانت الحدود اللبنانية هي الاقرب.
لذا، نلاحظ ان غالبية سكان الشمال الفلسطيني كانت هجرتهم باتجاه لبنان وسوريا والاردن على عكس سكان جنوب فلسطين الذين توجهوا صوب مصر والاردن.
خالد احد ابناء محمد اليشرطي الذي توجه صوب بيروت. كان والده ميسورا نسبيا اذا ما قورن بغيره، فاستطاع خالد ان يتم دراسته التي بدأها في عكا حيث انهى دراسته الابتدائية ليكمل المرحلة الثانوية في بيروت، ثم ليدخل الجامعة الامريكية هناك ليتخرج مهندسا مدنيا عام 1957.
في بداية شبابه ونشاطه الجامعي في الجامعة الامريكية، كان لا بد ان يتأثر بالمحيط، وكان حزب البعث في بداية نشأته الذي كان يعتبر قضية فلسطين قضيته الاولى ويسعى لتجنيد الامة العربية قاطبة من اجلها ليحقق الوحدة العربية التي كان يرى فيها الحل الامثل لهموم ومشاكل الامة بأسرها بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وفسخ العقد مع الدولة التركية التي فسخت هي الاخرى عقدها مع الامة العربية بل والاسلامية منذ ان اطيح بالسلطان عبد الحميد الثاني عام 1908 وسيطر العلمانيون على مقاليد الحكم، ولم يلبث ان اعتلى سدة القيادة بعد الحرب العالمية الاولى مصطفى كمال اتاتورك الذي اعلن علمانية الدولة والغى الكتابة بالحرف العربي والغى الخلافة.
شارك خالد في المظاهرات التي اندلعت في بعض بلدان العالم العربي عام 1954 رافضة لحلف بغداد التي وقف حزب البعث ضده مباشرة بالاضافة الى التيار المساند لجمال عبد الناصر.
مع انطلاقة حركة فتح في الاول من يناير 1965، ترك خالد اليشرطي صفوف الحزب لينتمي الى حركة فتح وتم اختياره عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الرابعة المنعقدة بالقاهرة في 17/7/1968 وشارك في الدورة الخامسة والسادسة للمجلس واختير فيها رئيسا لمجلس ادارة الصندوق القومي الفلسطيني. كما كان له دور بارز في المجال الاعلامي فقام بعدة جولات لشرح ابعاد القضية الفلسطينية كالاتحاد السوفييتي والصين وفيتنام وكوريا الديمقراطية وكوبا ويوغسلافيا.
وبرز دوره السياسي اثناء مفاوضات القاهرة عام 1969 على اثر التحرشات من بعض الجهات اللبنانية الرسمية بالمخيمات الفلسطينية في بيروت والاعتداءات المتكررة التي اضطرت الثورة بسببها لزيادة التكتف المسلح داخل المخيمات حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها امام سياسة البطش والقمع التي انتهجها الجيش ضد التواجد الفلسطيني على الساحة اللبنانية.
وانتهت المفاوضات الشاقة التي كان للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الدور الاساس في الوصول الى ما سمي فيما بعد باتفاق القاهرة، الذي ينظم العلاقة بين الدولة اللبنانية والتواجد الفلسطيني المسلح، هذا الاتفاق الذي لم يحظ برضى بعض الجهات الحاقدة والتي لا تريد لفلسطين ولا للبنان الهدوء والامن وعلى رأسها حزب الكتائب الذي اعلن بعد الاتفاق بخمسة اعوام انحيازه السافر والتام الى جانب اسرائيل جهارا.
كانت الحركة الوطنية الفلسطينية مستهدفة من تلك القوى الانعزالية منذ البدايات وليس اول على ذلك من حرق الفدائي الفلسطيني احمد الاطرش وقتله تحت التعذيب الامر الذي دفع المرحوم احمد الشقيري الى التوجه الى لبنان لمناقشة الامور مع السلطات اللبنانية الرسمية والقائه خطابا غاضبا بعد الزيارة، ادت كل هذه الاحداث الى شبه قطيعة بينه وبين السلطات اللبنانية الرسمية خاصة وان الشقيري المحسوب على الخط الناصري لم يكن يحظى باعجاب وقبول القوى الرجعية والطائفية اللبنانية وفي مقدمتها حزب الكتائب بقيادة بيار الجميل وحزب كميل شمعون الذي اطاحت برئاسته القوى الوطنية اللبنانية المدعومة من جمال عبد الناصر عام 1958.
استشهد المهندس خالد اليشرطي في بداية السبعينيات عندما تعرض لسقوط ثقل عليه عندما كان يشرف على هندسة بناء. كان أول من صنع قاذف الآر بي جي والذي حظي حتى باعجاب مهنيي الاتحاد السوفييتي أنفسهم، وبقي موته لغزاً تضاربت الحكايات بشأنه، لكنه ترك أثراً لا يمحى من سجل الخالدين والرعيل الأول الذين قامت حركة فتح على أكتافهم.
رحم الله شهدائنا وأسكنهم فسيح جنانه
وإنها لثورة حتى النصر 
صدر للشهيد مطبوعتان
1. آراء من فلسطين الثورة - صدر عن حركة فتح.
2. موسوعة اعلام فلسطين في القرن العشرين.
رحم الله شهداءنا واسكنهم فسيح جنانه
وانها لثورة حتى النصر