مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

أحجيات وغرائب في السياسة - آصف قزموز

لا زالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مر الصراع عبر القرنين الأخيرين، تتحدث بخطب وشعارات قوية عن جريها وسعيها للسلام مع الشعب الفلسطيني، بينما لا تدخر وسعاً ولا جهداً قي إطلاق آلتها العسكرية وأيدي رعاعها وقادة التطرف والعنصرية فيها، ولوغاً في دمائنا وحقوقنا وتاريخنا وأرضنا، وفي البطش بكل ما من شأنه أن يسمح أو يساعد على قيام السلام، ومع ذلك ظلت تلك الحكومات على اختلاف ألوانها وتلاوينها تحظى برعاية وحماية دولية جداً، دون أخذٍ جدي للدم الفلسطيني المُراق بعين الاعتبار. ليس هذا وحسب بل وجدنا على الساحة الإسرائيلية حقيقة أخرى، وهي أن حزب العمل أو ما كان يسمى بتحالف المعراخ في القرن الماضي، هو الذي خاض تقريباً جميع الحروب العسكرية ضد الفلسطينيين والعرب، مع أنه المتحدث الأكثر عن السلام والديمقراطية والأكثر يساريةً نظرياً، إلاّ أن الخطوات والمواقف العملية الفعلية في هذا الاتجاه السِّلْمَوي انحصرت بوجه عام في تكتل الليكود اليميني المتطرف، إلى درجة أن حزب العمل المتشظي حالياً، قد انحرف باتجاه اليمين حد التنافس مع الليكود على تطرفه، ولعل في تفكيك مستوطنة ياميت على يد شارون وتوقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر الشقيقة العام 1978 شاهد ودليل على مثل هذه الانفصامات والأحجيات، إذ لا زالت هذه الصورة الانفصامية قائمة حتى الآن وتزداد غُلُواًّ وإمعاناً وتطرفاً.
هذه الصورة المتكسرة للمشهد، لا تقتصر على إسرائيل وحدها، وإنما على السياسة الأميركية والدولية كذلك، فلو نظرنا لذات المعادلة والصورة للمشهد على الساحة الأميركية، لوجدنا أن الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة ظل على الدوام الأكثر ميلاً للمرونة العملية والأكثر قرباً من الموضوعية وعدم التشدد في الانحياز لإسرائيل، إذا ما قارناه مع الحزب الديمقراطي، الذي كان من المفترض أن يكون هو لاعب هذا الدور الأكثر اتزاناً وعدالةً من الحزب الجمهوري. أي بعنى آخر أن التركيب الفكري والسياسي والأيديولوجي للأحزاب والقوى الحاكمة لا يعكس ذات المضمون في مواقفه وممارساته، لا بل وعلى النقيض على الأرجح.
نعم، هي حالة شيزوفرينيا حقيقية، وحتى في سورية، ما زلنا نرى فصول الصراع الدائر فيها، حيث واشنطن وحتى تل أبيب، لا زالتا تعلنان على الملأ عدم نيتهما إسقاط النظام، لا بل وتتركان يده مطلقة في القتل والتدمير بشعبه وبلده، حيث الطائرات الأميركية تشارك بقصف مواقع داعش مثلاً، ولم تطلق أي طلقة ضد النظام، وأكثر من ذلك ما زالت ترفض إقامة منطقة عازلة، متخالفة في ذلك مع أنقرَه، التي دأبت على إطلاق مواقفها وسياساتها "من قُداَّم وْمن وَرَهْ". وها هو النظام السوري يقصف الشعب بالبراميل المتفجرة ليل نهار وبالطيران سرباً الى سرب مع الطيران الأميركي، وفي العراق يقصفون الى جانب الطيران الإيراني، بينما في ليبيا، بمجرد أن استخدم القذافي سلاح الجو اعتبر ذلك خطاً أحمر وإشارة بدءٍ للحرب الدولية التي شنت على ليبيا، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها على رأسه، ودمرت ليبيا من كل حدب وصوب. وفي إطار ذات المفارقات والانفصامات العِكِّعْكاكِيِّة العجيبة، التي تدفع ثمنها الشعوب فراداً وجماعات وطوائف، لاحظنا المشهد العراقي بعدما حلوا الجيش العراقي وسرحوه بالكامل، أعادوا بناءه على أسس إقصائية، مستثنين الطائفة السنية لصالح الطائفة الشيعية المستأثرة، ما جعل الانهيار الأمني في العراق يصل لما وصل إليه هذه الأيام، حيث الجيش والمعارضة والعشائر في معركتهم ضد داعش تائهين مفككين بين حَيْصٍ وبَيْصْ.
فهذا حال الوطن العربي، وأنت ترى النظم التي مارست الاستبداد وهي ترفع الشعارات والمواقف العالية، التي تظللها وتضلل الآخرين بها، وهي تبطش بشعوبها بقسوة أكبر بكثير مما تمارسه، النظم المصنفة بذات الهويات الرجعية واللاديمقراطية، يعني الهوية شكل والواقع الفعلي معاكس كمن يحملون هويات مزورة. الأمر الذي شهدته أحداث السنوات الأخيرة من عمر الربيع العربي المقصوف، حيث ظهر زيف ادعاءات هذه النظم والمدايات الفعلية الأكثر ضلوعا في التواطؤ مع مراكز النفوذ الاستعمارية، لا بل والتي تتنافى عكسياً مع غزارة مواقفها وشعاراتها الثورية التي تدعي المواجهة مع إسرائيل. وهو ما يؤكد اليوم مقولة: "إن أكثر من يتحدثون عن الفساد هم الفاسدون، وعن الفضيلة هن العاهرات".
وإذا كانت هذه الحقائق الدامغة بهذه الفجاجة والصلف، فإلى متى سنستمر بالاستعماء ورسم المواقف والسياسات، استناداً لتلك الشعارات والأقوال والمواقف الزائفة الزائغة والمتناقضة أصلاً مع الممارسات الفعلية على الأرض. أوَ لم تقدم "حماس" نفسها للناس على أنها البديل الأفضل عن السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير، باعتبارهما من وجهة نظر "حماس" فاسدتين مستسلمتين ومفرطتين في الحقوق الفلسطينية، فانتخبها الشعب في العام 2006، باعتبارها البديل الثوري والخلف الصالح الذي سيرضي الله ورسوله والمؤمنين، ولكن سرعان ما انكشفت الأمور على حقيقتها، فكانت ممارستها أسوأ من أقوالها وصادمة، وعلى نقيضها تماماً، وتبين للأعمى والبصير وكأنهم ادعوا محاربة الفساد والتفريط المزعومين لأنه لم يكن متاحاً لهم فلما جاؤوا وامتطوا صهوة السلطة اعتبروه حلاًَ لهم، فمارسوا السوأتين على أبشع وجه وتقديرْ، تاركين الشعب على فَيْض المولى يرقب الأقدار والمقاديرْ.
لكل هذا أقول، إنني أستطيع أن أفهم اعتبارات وحسابات مصالح القوى المعادية الخاصة، التي غالباً ما تُستَولد من لحمنا ودمنا وحقوقنا ومصالحنا، إلاَّ أن ثمة حلقة معقدة وربما عصية على الحل في حسم هذا التناقض والمتناقضات في المواقف مما هو جارٍ ويجري على الأرض فلسطينياً وعربياً. فإذا نظرنا مثلاً لما هو جارٍ في مصر من صراع داخلي مع جماعة الإخوان بمنظور ضيق قد يرى فيه البعض قمعاً سلطوياً، لكن إذا انطلقنا في النظر إليه بشموليته ومكوناته الفكرية العميقة والمصيرية، بمنطوقٍ ومنظورٍ فكري وقومي أكثر شموليةً وموضوعية، سنعتبره قطعاً أمراً وطنياً وقومياً يسعى للدفاع ليس عن مصر وحسب، لا بل عن أمننا وكينونتنا وحقوقنا العربية والتاريخية في المنطقة عموماً وفلسطين بوجه خاص. والحال موصولٌ كذلك بالنسبة لما يجري في جميع دول المنطقة دونما استثناء ولا إقصاء.
فهل نصحو من غفوتنا، ونعيد الاعتبار لرؤية الأشياء وتحديد المواقف منها بمنظور وعين الأبعاد الفكرية الوطنية والتاريخية الممتدة بكامل مشمشها وعلقمها؟ سؤال يبقى بظهر الغيب والحسّ بالمسؤولية الوطنية التاريخية إذا ما حسمنا أمرنا واستطعنا لذلك سبيلا. وسيعلن الفلسطينيون دولتهم، بمساحات ومعايير ومقادير توافقية لن يقو على دفعها أو تثبيطها أحد سوى أصحاب النفوذ والقوة المقررة دولياًّ وحسب، وفي هذا دعوة أخرى لكل الأخوة من أفراد وفصائل أن يتعالوا على الخلافات والتخالفات ويكونوا بمستوى قدسية دماء الشهداء وعذابات شعبنا، ويتوحدوا جميعاً خلف الرئيس أبومازن لكسب هذه الجولة التي يخوضها من معركة الدولهْ، وتذكروا أن للحق جولات لكن للباطل جَوْلَهْ، أولى لك فأولى، وغداً يكون لنا دولَهْ.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024