الخليل.. فرحة بالزائر الأبيض.. وعمل دؤوب
جويد التميمي
شمس تخترق خيطوها الضباب والغيوم.. ما أن تظهر قليلاً حتى تختفي... متطوعون على حافة الطريق يشعلون النار.. يستدفئون بها، ويساندون من تعثرت بهم السبل، آليات ثقيلة تعمل ليل نهار.. طيور غطت الثلوج أعشاشها تغرد فرحة بأطفال يلهون قربها رغم شدة البرد.
'كل شيء في بلدي أبيض ما أجمل الثلج' بهذه الكلمات عبرت الطفلة حلا (8 أعوام)، من مدينة الخليل عن فرحتها بقدوم الزائر الأبيض لمدينتها، حلا استيقظت باكراً فوجدت الأرض ترتدي زياً ابيضاً ما زادها نشاطا، وزاد الأرض جمالا، وعلى غير عادتها ايقظت شقيقاتها وارتدين جميعا ثيابهم الخاصة بالثلج، خرجن للعب وصنعن تمثالاً خلال وقت قصير ثم عدن إلى منزلهن فرحات رغم ارتجافهن من شدة البرد.
الزائر الأبيض، الذي تساقط تزامنا مع الرياح الشديدة وصوت الرعد القوي، وصعقات البرق اللامعة، كسى محافظة الخليل خلال وقت قصير مع بداية هطوله، وعلى غير العادة التزم معظم المواطنين منازلهم من شدة العاصفة التي حذرت من قوتها مواقع الارصاد الجوية خلال الايام القليلة الماضية.
محمد أبو عيشة (18 عاما) استقبل الثلوج بارتياد الجبال والوديان المحيطة بمنطقة الحاووز الأول والثاني بالخليل، يقول: حلةً بيضاء 'تسر الناظرين'، استقرت الثلوج على الطرقات التي بدت في بعض نقاطها الجبلية صعبة المرور.
أبو عيشة يسير بخطى قصيرة قاصداً المخبز... يئن من شدة البرد، ويقول: شاهدت الجرافات في الطرقات الرئيسية تعمل منذ بداية تساقط الثلوج، ما يوحي بأن فرق الطوارئ التي شكلت من عدة مؤسسات في محافظة الخليل، أدت مهامها بمهنية عالية وتميز ملحوظ حتى اللحظة، أما حركة المركبات فاتسمت على هذا المحور الجبلي بالبطؤ وبالحذر الشديد من طرف السائقين لاسيما المتجهون منهم من جبل أبو رمان نحو شارع السلام.
أما معلم اللغتين العربية والانجليزية نبيل الخطيب التميمي (72 عاما) فتذكر العواصف الثلجية التي غمرت فلسطين العام الماضي وقبل عقود، قائلا 'جميعنا يذكر قوة العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد العام الماضي، كانت الثلوج أقوى وأكثر غزارة في الخمسينيات والستينيات، و أبالغ إذا قلت إننا كنا نجلس على طبقة الثلج وكأنه كرسي ونحن نلعب بالقناطر.
أنتم الشباب، وأنا معكم نقضي أيامنا وليالينا أمام شاشة التلفاز نتابع ما يبث من مسلسلات واخبار ونشرات الطقس، وفي أيدينا الهواتف المحمولة نتواصل مع العالم ومع الأصدقاء والأهل في كافة أرجاء المعمورة، ورغم كل هذه الامكانات من المخترعات الحديثة تشعرون وأنا معكم بالملل، فهل كنا كذلك بالسابق؟ طبعا لا، فما السبب يا ترى؟، تساءل التميمي.
وحسب دائرة الإعلام في بلدية الخليل، عملت غرفة طوارئ البلدية على تقديم خدمات مميزه وسريعة للمواطنين حيث بدأت ولأول مرة العمل ضمن نظام يتيح للمواطنين عبر صفحتها الالكترونية الاطلاع على خارطة للمدينة تبين جميع الطرق الرئيسية والفرعية والمناطق الحيوية الضرورية فيها، وتظهر المناطق السالكة للمرور وسير المركبات والمناطق التي لازالت تحت العمل بشكل محدث ومباشر، كما استخدمت منظومة المعلومات الجغرافية للاستفادة من الوقت والجهد في تلبية نداءات المواطنين وإغاثتهم في أسرع وقت ممكن.
كما عملت كهرباء الخليل على إعادة التيار إلى ما يقارب 100 منزل ومنشأه في المدينة، بعد انقطاعه عنها بسبب أعطال خارجية وداخلية في وقت قياسي، ليسجل استمرار التيار الكهربائي في المدينة رغم الاحمال الزائدة.
وبخصوص القطاع الصحي، تم تأمين وصول كافة حالات غسيل الكلى بعد التنسيق مع ذويها لنقلها إلى المستشفيات، كما تم نقل ما يزيد عن 80 حالة مرضية الى المشافي.
رئيس بلدية الخليل داود الزعتري، قال: إن الاعداد المسبق واستخلاص العبر من التعامل مع المنخفضات السابقة في الأعوام الماضية كان حاضرا هذا العام، حيث تم استخدام كاسحات ثلوج من انتاج مشغل بلدية الخليل، وتم إدخال نظام المراقبة الالكترونية اضافة الى نظام توجيه المواطنين الالكتروني عبر صفحة البلدية الالكترونية وهذا ساهم في تعامل أفضل ومتميز مع العاصفة.
وأشاد نائب محافظ الخليل مروان سلطان، بدور لجنة طوارئ الخليل لما قدمته من مجهود متكامل على مدار الساعة، وقال لــ'وفا': إن المؤسسة الأمنية والبلدية والدفاع المدني والهلال الأحمر، وكافة الوزارات والمؤسسات التي في مقدمتها وزارات الزراعة والحكم المحلي والأشغال العامة والاقتصاد الوطني، قدموا نموذجاً رائعاً في العمل المشترك من خلال التكامل في أداء المهام والواجبات الموكلة إليهم خلال العاصفة الثلجية.
ودعا نائب المحافظ، المواطنين إلى التعاون مع المتطوعين والعاملين في لجنة الطوارئ، وشدد على اهمية انتباههم إلى سلامة بيوتهم وتفقد شبكات الكهرباء، وأنابيب الغاز، ووسائل التدفئة كافة، وإغلاقها بشكل محكم ساعات الليل تفاديا للأخطار، ولأهمية الحفاظ على السلامة العامة.
من ناحيته، شدد طبيب الاطفال منتصر القواسمة خلال حديثه لــ'وفا' على ضرورة الاهتمام بالأطفال وعدم السماح لهم بالخروج إلى العراء لتفادي اصابتهم بالأمراض، او الكسور التي تنجم احيانا بسبب التزحلق.
وقال 'نحن كأطباء واجبنا الوطني والديني والاخلاقي، ان نعمل على مدار الساعة، ونحن دائما في خدمة الوطن ومواطنينا'.
المواطنون في محافظة الخليل بشكل عام مرتاحون لاستعدادات المؤسسات والسلطة الوطنية لمواجهة العاصفة الثلجية التي بدأت تضرب الأرض الفلسطينية منذ الثلاثاء الماضي، ويبدو أن ذروة هذه العاصفة اليوم، ولكن يبقى التزامهم بالتعليمات الصادرة عن هذه المؤسسات هو الأهم لتفادي مخاطر هذه الموجة الثلجية.