يمكن هزيمة الارهاب - يحيى رباح
مسيرة الجمهورية في باريس للتضامن مع ضحايا الاحداث الارهابية في الايام القليلة الماضية, هي بالفعل مسيرة تاريخية وعالمية, حيث احتشد فيها مئات الآلاف من المواطنين وعشرات من القادة يمثلون كل القارات وكل الاجناس وكل الاديان, جميعهم جاءوا ليقولوا لا للارهاب بكل اشكاله وعناوينه سواء كان ارهاب الدول او ارهاب الجماعات, فالارهاب بحد ذاته هو اعنف اشكال الجريمة, واشد اشكال ازدراء الاديان, وذروة الاستهتار بالانسانية .
وهذه اللا الكبيرة المدوية في وجه الارهاب يجب ان تتحول الى اجراءات وسياسات واذرع قوية من اجل هزيمة الارهاب وتخليص العالم من مآسيه السوداء .
وكان حضور الرئيس ابو مازن في هذه المسيرة بعد استقباله في قصر الاليزيه حدثاً لافتا ابرزته وسائل الاعلام الفرنسية, لانه بحضوره كان معبرا اجمل تعبير عن كل شرائح الشعب الفلسطيني الذي تضامن بقوة مع الشعب الفرنسي وادان الارهاب بفعاليات متعددة, كما ان حضور الرئيس كان بمثابة رسالة واضحة اننا كشعب فلسطيني ابرز ضحايا الارهاب بالعصر الحديث, وهل هناك ارهاب اعتى من الاحتلال الاسرائيلي الذي يستمر جاثماً على صدرنا ومعتديا على حياة شعبنا منذ قرابة نصف قرن؟ حيث يمارس هذا الاحتلال ابشع اشكال الارهاب المتمثل في الاستيطان وقطعانه, والمجموعات الارهابية التي تتلقى الدعم المباشر والعلني من الحكومة الاسرائيلية, والاعتداءات في شكل حروب تدميرية يقوم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي صد شعبنا الاعزل كما حدث بالصيف الماضي حين تحول قطاع غزة الى انقاض فوق انقاض. ووسط هذه المسيرة التاريخية في باريس كان الامتعاض الشديد من التصريحات التي ادلى بها نتنياهو الذي دعا الفرنسيين اليهود لان تكون اسرائيل وطنهم بدلا من فرنسا! مع ان الهجمات الارهابية التي تعرضت لها فرنسا كان ضحاياها فرنسيين بغض النظر عن دينهم سواء كانوا مسيحيين او مسلمين او يهود, اي ان نتنياهو حاول ان يتصيد في المياه العكرة, وان يستثمر قداسة دماء الضحايا لكي يظهر وجها عنصريا! ولكن حجم الحضور العالمي وتنوع هذا الحضور اثبت بالدليل القاطع ان نتنياهو الغارقة يداه في دماء الفلسطينيين والمنتفخة جيوبه من سرقة اموال الفلسطينيين واراضيهم لم يكن ناجحا بقدر ما كان صغيرا ومستفزا في آن واحد .
باريس تضيء بهذا الحشد الهائل والحضور العالمي, ومثلما توحدت المشاعر فاننا نأمل ان تكون هذه فرصة حقيقية لان تتوحد الجهود والسياسات والارادات لهزيمة الارهاب الذي لا دين ولا جنس له, بل هو عدو الانسانية مهما كانت الشعارات التي يرفعها هذا الطرف او ذاك, واعتقد ان اجتماع وزراء داخلية اوروبا الذي سبق هذه المسيرة اعطى اشارة قوية بتطور الاجراءات وأسس التعاون لهزيمة الارهاب الذي يهدد الجميع, فهذا الارهاب له ينابيع يتغذى منها من ابرزها الظلم الذي تتعرض له بعض الشعوب وعلى رأسها الشعب الفلسطيني الذي بقي وحيدا في العالم يتعرض لفداحة الاحتلال الاسرائيلي, كما ان هذا الارهاب الذي يكلف الملايين والمليارات له ممولون يدعمونه لكي يستمر ويضرب الآخرين .
هذا الاحتشاد العظيم الذي شهدته باريس يحمل في طياته الامل, ونرجو ان يتحول هذا الامل الى واقع فعلي بان يتم هزيمة الارهاب بشكل نهائي .