الخروج من نفق أزمة الإضرابات
عمر حلمي الغول
بديهيات في أهداف ومهام كل نقابة أو اتحاد شعبي الدفاع عن حقوق أبناء المهنة الواحدة، الذين فوضوا قياداتهم النقابية بالدفاع عن مصالحهم، ورفض الظلم الواقع عليهم من قبل أصحاب المصانع والمزارع والمؤسسات والشركات الخاصة ومؤسسات القطاع العام. ويعتبر الإضراب أحد أشكال الدفاع المشروعة عن تلك الحقوق. بيد أن هناك عاملاً آخر في مهام النقابات والاتحادات يتمثل في الدفاع عن الحقوق والمصالح الوطنية العاملة في فلسطين، كونها تواجه استعمارا إجلائيا إحلاليا يستهدف كل قطاعات الشعب دون استثناء، وبالتالي تتداخل المصالح الوطنية مع المصالح النقابية، ودائما طالما هناك استعمار إسرائيلي، ولم يتحقق هدف الاستقلال والحرية والعودة وتقرير المصير للشعب، تحتل المسألة الوطنية الأولوية في جهد وكفاح المؤسسات النقابية والمنظمات الشعبية عموما، دون أن تغفل للحظة عن حقوق ومصالح القطاعات الإنتاجية أو المهنية التي تمثلها.
منذ بداية العام الحالي 2023 شهدت الساحة الفلسطينية تحديدا في المحافظات الشمالية مجموعة إضرابات، منها إضراب المعلمين، والأطباء والمهن الصحية والمهندسين والمحامين، وبعض الإضرابات جاءت امتدادا لإضرابات أعلنوها من نهاية العام الماضي. ولكن اشتداد وتعاظم حركة الإضرابات للأسف الشديد تلازم مع صعود حكومة نتنياهو السادسة الفاشية، التي تستهدف كل معلم وملمح وطني بدءا من المنهاج التربوي الوطني في القدس العاصمة خصوصا وفلسطين عموما، والدفع بعربة التجهيل وتسيد الأمية في صفوف الشعب إلى غياب الرعاية الصحية، وانتشار الأمراض والاوبئة، وانتفاء التنمية المستدامة والتطور العمراني والصناعي والزراعي وصولا لاجتثاثه عبر عملية تطهير عرقي متدرجة بهدف الوصول لإقامة دولة إسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية.
وهذا التلازم أجزم، أنه ليس جزءا من مخطط مسبق؛ لأن رؤساء الاتحادات والنقابات، الذين لهم باع طويل في الدفاع عن مصالح وثوابت الشعب الوطنية، لا يمكن أن يقبلوا، أن يكونوا مسمارا في المخطط المعادي لمصالح الشعب العليا. بيد أن النتائج الناجمة عن الإضرابات تصب في مصلحة الأعداء الصهاينة والقوى المتربصة بالسلطة الوطنية وحكومتها الشرعية من حيث يدري أو لا يدري المشاركون في الإضرابات. أضف إلى أن عدم التمييز بين لحظة إعلان الإضراب والأزمة المالية المتفاقمة نتاج القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة، وسيطرتها على ما يزيد على 60% من مساحة الضفة الفلسطينية خاصة المنطقة المصنفة C، ومركزها منطقة الأغوار، التي تعتبر السلة الغذائية للشعب الفلسطيني، بالإضافة لخنق حقل السياحة الدينية والطبيعية، وحدث ولا حرج عن تقطيع الطرق من خلال الحواجز، والاقتحامات والاجتياحات للمدن والقرى والمخيمات، وتعطيل عمليات الاستيراد والتصدير.. إلخ، يشير إلى عدم الانتباه للأخطار غير المقصودة الناجمة عن حركة الإضرابات، مع أنها حق مشروع وكفله القانون والنظام الأساس. الأمر الذي يفرض على قادة الاتحادات والنقابات أخذ هذا العامل بعين الاعتبار، حتى لا يكونوا عصا إضافية بيد المستعمر وشركائه من المتورطين في استهداف المشروع الوطني عموما، وليس السلطة وحكومتها الشرعية فقط.
وارتباطا بما تقدم للخروج من نفق الأزمة، أمس الإثنين، أعلن رئيس الوزراء د.محمد اشتية في افتتاح جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية عن مجموعة إجراءات بعد إبرام الاتفاق بين ممثليها وممثلي النقابات الطبية والمهندسين والاتحاد العام للمعلمين تنفيذا لما تم التوافق عليه، غير أن ممثلي المعلمين والأطباء أعلنوا رفضهم لما أعلنه رئيس الحكومة، وأكدوا مواصلة الإضراب في بيانين منفصلين أمس عصرا. وأكدوا أن ما أعلنته الحكومة لا يلبي مطالبهم.
ومن وجهة نظري الموضوعية، كنت أفترض أن يعود المعلمون والأطباء وغيرهم من أعضاء النقابات المضربة لمواقع عملهم كسبا للوقت، وحرصا على الصحة العامة، وانحيازا لتجسير الهوة التي حدثت في العملية التربوية خلال الشهر المنصرم من الإضراب، والذي هدد فعليا المسيرة العلمية عموما، وطلبة الثانوية العامة خصوصا، الذين أصيبوا بالإحباط والترهل نتيجة غياب معلميهم، مع أنهم يقفون الآن في محطة هامة من حياتهم، كونهم سينتقلون لمرحلة نوعية في مسيرتهم التعليمية والعملية. ولا أضيف جديدا للأساتذة المربين عن قيمة وأهمية هذه المرحلة لجيل المستقبل، الذي يفترض أن يكون رافعة للوطن والشعب على كل المستويات.
وفي السياق يواصلون المطالبة بحقوقهم المشروعة، وأيضا مطلوب من الحكومة إصدار بيان يتضمن ما لم تتضمنه قراراتها أمس، المرتبطة بالاتفاقات المبرمة مع النقابات تفاديا لمضاعفات وأخطار الإضرابات على المجتمع عموما، ومجالات النقابات والاتحادات المضربة. آن الآوان لتجاوز الأزمة، وعودة كل مضرب لموقع عمله، والانشداد المجتمعي الكامل لمواجهة الهجمة الصهيونية الفاشية وائتلاف حكومة الترويكا نتنياهو سموتيريتش وبن غفير، والدفاع عن مصالح وحقوق الشعب الوطنية.