ومضة - دنيا العجب ! د. صبري صيدم
لو أني قررت شخصياً أن أقف على منصات الإعلام معلناً ومجاهراً بنيتي تدنيس كتب الدين أو الإساءة إلى رجالاتها أنبياء كانوا أم علماء لانتفضت مشاعر أحدهم ولاتهمني بالعنف والإساءة والتحريض والعنصرية والطائفية ومعاداة السامية وممارسة الإرهاب ولقال صارخاً ان موقفي هذا ليس حرية رأي وإنما تعدٍ واضحٍ على الكرامات والمشاعر.
ولو أنني اقتطعت لنفسي أرضاً ما وصادرت حقوق ساكنيها ومياههم وزراعتهم وحرقتهم بالفوسفور واليورانيوم المخصب والمنضب وحجبتهم عن الحرية والاستقلال لما قبل أي كان أن يدعوني إلى عزاءٍ ناجمٍ عن جريمة ارهابية ولما استقبلني أحدهم على سجادة الشرف الحمراء ولأبت كبار الدول إلا وأن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضدي.
ولأنني أرفض العنف والقتل والإساءة للأديان وللاشخاص وللطوائف والملل ولا أقبل بالجور والظلم وقهر الناس ومصادرة حرياتهم وكراماتهم واستقلالهم وسيادتهم فإنني استهجن ما سمعته وأسمعه عن هجومات باريس المتعددة من تصريحاتٍ ومواقف.
ولضيق هذا المقال فأنني أقتصر الذكر على ثلاثٍ منها تاركاً للقارىء الكريم حق التقييم والتمعن والتمحيص والاستنتاج.
أول التصريحات والمواقف صدر عن صاحب مقولة نعم نستطيع! والذي حمل لواء الحرية المزعومة مفاخراً العالم برغبته التغيير ودافعاً العرب للتهليل له بصفته أول رئيس ملون البشرة لأميركا ينادي بحرية الشعب الفلسطيني. بارك أوباما يقول في تعليقه على حوادث باريس: "نحن نؤمن بالحرية والقيم الإنسانية والكرامة والديمقراطية"!!
هنا من حقنا أن نسأل الرجل الذي انتظره العالم كثيراً: "ماذا إذن عن الفيتو الأميركي الأخير في وجه مشروع قرار استقلال فلسطين؟ أليس هذا إقراراً ومباركة لاستمرار الاحتلال الصهيوني ؟ وهل في هذا احترام للحرية والكرامة؟
صاحب التصريح الثاني بنجامين نتنياهو والذي قال: على يهود فرنسا أن يختاروا إما البقاء في فرنسا أو العودة إلى وطنهم الأم، أرض إسرائيل، فإسرائيل تحارب ذات الإرهاب الذي يقتل المدنيين على أرضها ويقتل الصحفيين في باريس!!
أمام هذا التصريح يحضرنا جميعاً السؤال التالي: إذا ما كان تصريح رئيس حكومة الاستيطان بهذا الشكل فما هو إذن تعريف الاحتلال؟ أهو إرهاب أم رياضة؟ وماذا نسمي من يخطف إرادة شعب بكامله ويحرمه من حقوقه وأملاكه ويفرض الحصار عليه ويحرقه بالفسفور؟ وماذا عن عودة 20 مليون فلسطيني إلى أرضهم بعد أن شرد أباؤهم وأجدادهم منها؟
ثالث التصريحات هو لوزير الداخلية الفرنسي الذي قال: علينا إغلاق بعض المواقع الإلكترونية التي تروج للعنف بينما نحافظ على حرية الرأي!
لذا يحضرنا سؤال ملح: هل سيشمل القرار المواقع المسيئة للأنبياء والأديان والمثيرة لمشاعر الناس وحفيظتها وكرامتها بما فيها تلك التي تروج للاحتلال الإسرائيلي؟
فرنسا خاصة بعد موقفها الأخير الداعم لمشروع القرار الفلسطيني تعني الكثير للفلسطينيين وبالتالي ربما يكون ما حدث مؤخراً فيها فرصة للعالم بأسره لتسمية الأمور بمسمياتها وتجاوز سياسة المكاييل والمعايير المزدوجة وتجنب مواربة الحقائق والانتقال فوراً نحو معالجة مسببات التطرف من فقرٍ وجوعٍ وتردي الأوضاع المعيشية ومصادرة الحريات وتجزيء مفاهيم الحرية والكرامة وتشريع مباركتها عند طرف على حساب آخر وجعل الضحايا فريسة لمخابرات العالم ومآربهم ودعوة الجناة ليقفوا في مصاف الضحية بينما يطبل البعض لارهابهم ويصوت لاحتلالهم مستخدماً الفيتو بحق الضحية ومنتصراً للقاتل على المقتول! الاحتلال الإسرائيلي ودوامه هو المسبب الأول للإرهاب ولهو البيئة الحاضنة والموجهة للتطرف بغض النظر عن شكل ولون وملة حامليه.
لقد استمعت لتصريحاتٍ أخرى ولربما كان أحدها الذي أضحكني لفداحة سخريته هو ذاك المنسوب لوزير الارهاب في حكومة نتنياهو نفتالي بينيت وخادمه السابق معلقاً على مشاركة الرئيس الفلسطيني بجنازة من قضوا في فرنسا قائلاً: لا يجوز دعوة من يحرض على العنف إلى جنازة من ماتوا بفعله!
هنا استحضر قول الشاعر:
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد!