وصاية نتنياهو على اليهود - حافظ البرغوثي
حجم ما يسمى بالمشاعر اللاسامية في الولايات المتحدة أكبر من حجمها في فرنسا.. ومع ذلك فإن إسرائيل منذ عشر سنوات ونيف تدق طبول الهجرة ليهود فرنسا بعد أن نضبت منابع الهجرة اليهودية من شرق أوروبا وطرقت أبواب الهند والصين ومجاهل أفريقيا لهذا الهدف. لكن الجالية اليهودية في فرنسا هي الأكبر عدداً خارج اميركا وتحاول إسرائيل جذب هؤلاء إليها لزيادة عدد سكانها وتصر على الاعتراف بها كدولة يهودية لكل يهود العالم شاء من شاء وأبى من أبى منهم. ولعل قفزة نتنياهو إلى باريس تأتي في سياق حملته الانتخابية ومحاولة دفن ضحايا المتجر اليهودي في القدس الشرقية المحتلة وكأنه يفرض على أي يهودي سلطته عن بعد.
لا يدعو نتنياهو يهود أميركا إلى الهجرة لأنه يعلم أن هؤلاء هم الذخيرة الاستراتيجية للسياسة الإسرائيلية ويجب أن يظلوا هناك كدعامة للوبي الإسرائيلي المهيمن فهو بالتالي يريد انتهاز أية فرصة في أي مكان آخر لجلب مهاجرين، وتوطينهم على أرضنا، وينضموا إلى جماعات المستوطنين الارهابية التي تعيث فساداً في أرضنا وتنشر الرعب على الطرقات وتقتلع الشجر والبشر والحجر.
يتناسى نتنياهو أن الثورة الفرنسية كانت مفتاح الحياة لليهود عندما أخرجتهم من أحيائهم المغلقة المنعزلة «الجيتو» ومنحتهم الحرية في كل شيء.. وهو يريدهم الآن ان يعودوا إلى "الجيتو" الإسرائيلي المغلق الذي يفترض أن اليهودي محاط بالأعداء.. بينما أن المشاعر الشاذة ضد اليهود إنما تبرز في أعقاب الممارسات الاستيطانية والعدوانية للسياسة الإسرائيلية، وليس لأسباب أخرى.
نتنياهو لا يتساءل عن ذلك لأنه لا يريد تغيير سياسته بل يستثمر الدم الفرنسي واليهودي في فرنسا لكي يدعم سياسته المعادية للأمن والسلم في المنطقة والقفز عن أصل المشكلة وهي حل القضية الفلسطينية, فالنضال الفلسطيني على الأرض هو نضال سياسي لنيل الحقوق الوطنية في الحرية والاستقلال ولا يستند إلى الدين فيما أن اليمين الإسرائيلي يؤجج المشاعر الدينية ويريد دفع الصراع عمداً نحو صراع الأديان وهو ما لم ينجح فيه حتى الآن . لكنه الخاسر في النهاية والتاريخ حول الصراعات الدينية يؤكد هلاك البادئ فيه فهو الظلامي والأظلم.