إصلاح ام ثورة -عمر حلمي الغول
بعد تسليط الضوء على اسباب نشوء الجماعات التكفيرية الارهابية، يطرح السؤال نفسه على كل القوى المحلية والعربية والاقليمية والدولية، كيف يوضع حد للارهاب؟ وما هي السبل لالغاء وجوده؟ قد يقول قائل، ان العودة للاسباب، يفتح باب الاجابة على الاسئلة آنفة الذكر. لكن يبقى السؤال الاهم، هل معالجة جذور الارهاب والجماعات التكفيرية يحتاج إلى ثورة ام إصلاح؟ ومن هي ادوات التغيير القادرة على حمل راية النهوض بالمجتمعات العربية والاسلامية؟ هل يمكن الاتكاء على النظم السياسية الموجودة وادواتها ام لا؟ وهل الغرب عموما والولايات المتحدة الاميركية خصوصا ومعها إسرائيل ستتخلى عن تلك الجماعات وتمويلها ام العكس؟ او بتعبير آخر، هل يمكن الاعتقاد ان تلك الجماعات إستنفذت مهامها ام مازالت أحد رهانات اميركا وحلفائها في المنطقة؟
واذا بدا المرء الاجابة من النهاية، فانه يستطيع الجزم، بان صناع القرار في البيت الابيض وتل ابيب ومن يسير في ركابهم، مازالوا يعولون على دور تلك الجماعات في تحقيق مخططهم الشرق اوسط الجديد. كما ان الرهان على الانظمة الاستبدادية القائمة، هو رهان خاسر. لان فاقد الشيء لا يعطيه. والانظمة كما يعلم الجميع، كانت الوعاء والحاضن والممول للمسميات التكفيرية المتعددة من "داعش" ل"لنصرة" و"بيت المقدس" و"جيش الامة" و"جيش محمد" وغيرها، ورغم ان ارهاب تلك الجماعات إرتد عليها وعلى مصالحها، إلآ انها ليست مؤهلة لاحداث النقلة المطلوبة، لانها تعفنت، ولم تعد ادواتها قادرة على حمل اي تغيير. ومن يراقب احوال الانظمة العربية، يلحظ انها تعيش ازمة عميقة، والجراح تصيب كل اعضاءها العائلية والعشائرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية/ التعليمية والدينية، فضلا عن التبعية للغرب وبالتحديد لاميركا.
النتيجة المنطقية لمواجهة الارهاب بكل اشكاله وخاصة الاسلاموي، يتمثل بشقين الاول يقوم على ركيزة إصلاح المؤسسة الدينية، وإعادة نظر في الخطاب الديني، لجهة خروجه من نفق البداوة والتخلف، ومواكبته تطور العصر. والتوقف عن إعادة إنتاج السلوكيات السلفية البائدة، والحؤول دون السماح لادعياء الدين بالوقوف على المنابر الاسلامية، وتأهيل رجال الدين ليتوافق خطابهم ورسالتهم مع رسالة المجتمع ككل بمكوناته الاثنية والدينية والثقافية لنشر ثقافة التعددية والتسامح والتواصل والنهوض بالدولة الوطنية على ركائز الديمقراطية ومحاربة كل من يفتي بغير مصالح المجتمع والدولة وشعوب الامة والانسانية.
والشق الثاني يأخذ المنحى الثوري، وهذا مسؤولية قوى التغيير الحية، القادرة على حمل لواء النهوض بالمجتمع من خلال ترسيخ العقد الاجتماعي المدني الديمقراطي بين الحاكم والمحكوم، وتثبيت التداول السلمي للسلطة، والعمل على الارتقاء بالمناهج التعليمية بشكل جذري، بحيث تتناسب مع الحداثة. وتعميم المعرفة والثقافة والفنون في جوانب الحياة كلها. وفصل الدين عن الدولة بشكل كلي. ووضع خطط للتنمية المستدامة، للارتقاء باقتصاد هذا البلد او ذاك. وتعميم المساواة بين افراد المجتمع بغض النظر عن الجنس او اللون او العرق او الدين او الطائفة والمذهب.
كلا الاتجاهين بحاجة إلى إدوات تحرر المجتمعات العربية من الاستبداد والتبعية. ومواكبة الحداثة لاحداث النهضة المطلوبة. وبقدر ما يتمكن المجتمع من التخلص من المثالب والادران العالقة بالدين وادواته المتخلفة والعاجزة، وبقدر ما يتم فصل الدين عن الدولة، وتعزيز مبادىء الديمقراطية، بقدر ما يمكن للمجتمع التخلص من كل الجماعات التكفيرية والارهاب، ليس هذا فحسب، بل بقدر ما يرتقي الى مصاف الدول المتقدمة، ويحرر الاقتصاد من التبعية واخطارها، ويحرر الارادة العربية، وينشر ويعمم السلم الاهلي والاقليمي والعالمي.