العدّ العكسي للاحتلال ويوم الشهيد الفلسطيني - ريما كتانة نزال
هل بدأ العد العكسي لدولة الاحتلال بقرار محكمة الجنايات الدولية فتح التحقيق الأولي حول «احتمال» ارتكاب اسرائيل جرائم حرب، وهل يمكن أن يصل الحق إلى أصحابه الفلسطينيين من خلال الشهداء أولاً، لأنهم يملأون الطرقات والساحات. وهل سنغامر بالقول أن للظالم والباطل جولة، وبأن الدوائر تدور على البغي؟
مع صحوة العدالة، وبدء التحقيق التمهيدي للوصول للحقيقة والمترافق صدفة مع شهر الشهداء، نقف أمام سابقة العصر، ممثلة في بدء العد العكسي للمنازلة التاريخية بين الجاني والضحية، وسيسجل التاريخ وقائع المعركة بين قوة الحق وحق القوة، باستخدام جميع الأسلحة في المنازلة التي لن يكون أبرزها الصواريخ؛ في حسم المعركة.
المتهم واضح أولياً، والضحية مستترة في النص الرسمي، النص جاف ومبتسر بقصد عدم استدراج المعركة بشكل مسبق، ولكن الاعلان سرعان ما استدرج القاتل، «كاد المريب أن يقول خذوني»، فالقاتل يعرف نفسه ولا زال يحوم حول مسرح جرائمه.
الشهداء سينهضون وسيبعثون الحياة لقصصهم. شهداء الاستقلال سيعودون من جديد إلى المواجهة، سيعودون أقوى من قبل، وأقوى من أسلحة الاحتلال ومن إجرامه. سينتفضون مجددا من أجل إظهار الحقيقة التي غابت طويلا، وسيقاتلون لتثبيت العدالة التي جَفتْهم ليقولوا بوجه من ابعدها: لقد تلكأتم. نحن أبناء الحق والحرية وهم الارهاب، نحن الشهود والشهداء حتى ينتصر الحق وفلسطين، قمنا لنزع الأقنعة عن وجه الاحتلال المستتر خلفه.
سينهض الشهداء من غفوتهم، ممن استشهدوا على أرض فلسطين من اجل حريتها واستقلالها، ومن استشهد خارجها في سبيل العودة إليها. سينهض شهداء الانتفاضة الأولى والثانية ما بينهم ومن سبقهم منذ مطلع القرن الماضي، وسينهض شهداء الشتات ومن غزة على مد البصر يحملون جراحهم الرطبة، وسينهض الشهداء الاطفال يستكملون حياتهم المبتورة، وستنهض الشهيدات منذ أول شهيدة ليهتفوا بأننا لا نخاف ولا نهاب شيئا، وللاعلان عن عدم عودتهم للأرض قبل الحصول على حق توقيف المجرم ومحاسبته.
سيقوم الشهداء لمحاسبة العالم على لامبالاته، وسيقف الكون مندهشا من دمائهم الطازجة، ويتفاجأ بما غض نظره عنه طويلا، سيرى كم كان موغلا بانشغالاته وغرقه بمعاييره المزدوجة. سينهض الشهداء للدفاع عن انفسهم، ويجعلوننا نراهم وهم يعبرون الشوارع نحو المحاكم من أجل تلاوة نصوصهم الكبيرة، وسنسمع قصص تجرعهم الألم، وسيمثلون أمام القضاة قصة قتلهم في أماكن الجريمة، وسيشرحون حكايات مذهلة عن دروبهم الشوكية. وبدورنا سنندم على استسهال دفنهم وطيّ كتبهم الناصعة وأحلامهم الممكنة، وسنعتذر عن إغفالنا تكليل هاماتهم مسبقا بأكاليل النصر المجيد.
أعود إلى مكاني الواعي وأستيقظ من أحلام اليقظة على واقع الحال المزمن واتساءل: هل مصير بدء التحقيق الأولي في «احتمال ارتكاب جرائم حرب» كقصة مجلس الامن وغيره، هل نحن في حلم أو في عِلم، هل هي اسقاطات الامنيات والآمال على واقع عليل وميؤوس منه.. هل سيتدخل القدر الاميركي الكبير ويعبَث بنا مجددا. هل هي مجرد آمال بعيدة عن الواقع الظالم الذي يحيط بنا من جميع الاتجاهات، هل يخفي القرار ملامح الحقيقة..
وأبقى أتساءل هل نفرح أو نعود الى لا مبالاتنا وتلكُئِنا.. هل نتفاءل أم نتشاءم.. هل نسبح قليلا في فضاء الخيال، قبل أن نصحو على الواقع؛ الكفيف، الأصم، الأبكم؟.