لمواقفنا الإدانة ولمواقفهم التبريكات! د. صبري صيدم
في كل مرة قررت أن أكتب عن دولة ما تناصب حكومتها العداء لفلسطين وقضيتها جاءني من يقول إن علينا فلسطينيا أن ندرس خارطة السياسة في تلك الدولة وتشعبات المصالح الاقتصادية والتركيبة الحكومية القائمة وتشابك العلاقات الرسمية والمالية والشخصية والاستراتيجية التي تجعل من إسرائيل صديقاً حميماً لتلك الدولة ولجوئها الدائم إلى حماية الاحتلال والدفاع عنه في محافل العالم.
تلك الدول البعيدة عن حدود الوطن السليب والقريبة من حدود المصالح الإسرائيلية تستقبل أي ظلم يقع على الفلسطينيين ببيانات التعبير عن القلق بينما تقابل أي موقفٍ فلسطيني دبلوماسي أو ميداني بالشجب والإدانة والتهديد بتعليق المساعدات وحجب الأموال وصولاً إلى خنق دبلوماسيينا وطردهم خلال سويعاتٍ بسيطة!
ذات الدول هي الأولى في استهجانها للعنف في المنطقة وولادة التطرف والتعصب والقتل باسم الدين في حروبٍ وقودها وأدواتها وضحاياها هم الفقراء المقهورون المكلومون التائهون الذين ولّد جوعهم ويأسهم وغياب العدالة في قضاياهم الواضحة وتقاعس العالم في الوقوف إلى جانب المتعوسين طفحاً واضحاً ومستمراً في مكاييل الصبر فتخرج الأمور عن صوابها ونرى القتل والدمار والكوارث.
تلك الدول والتي تكون حكوماتها آخر المهتمين بشأن المقهورين خاصة في أوج غياب العدالة هي أول الشاجبين والمحتجين والمستنكرين لازدهار العنف وتفشي القتل دونما تمييز أو إنسانية!
ورغم قناعتي بأن قتل النفس وأخذ القانون باليد والاعتداء على الحريات والإساءة إلى المعتقدات والتعدي على الديانات بغض النظر عن اسمها وانتشارها أمرٌ مقزز ومخجل ومرفوض، إلا أنني مقتنع تماماً بأن غياب العدالة في موقف البعض لهو العامل الضاغط الأكبر في تفشي اليأس وانتعاش تجار الدم الذين يوظفون قهر المظلومين باتجاه قتل الروح وتحقيق مآربهم عبر أفعالٍ وصيحاتٍ غلفت بدعوى الحرية وفصول المناخ والسياسة وأصبحت أموراً شائعة في حياة العالم العربي.
وعليه فإن مواقف كندا واستراليا وجمهورية التشيك وجزر الرفض التقليدية وجوقة الممتنعين في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وتصرفاتهم وصمتهم وتقلب مواقفهم لن يأتي إلا لخدمة تأخر العدالة وتراكم القهر والإحباط وصولاً إلى الوضع المريب الذي نعيشه اليوم في عالمنا العربي.
إن الحريص على إدانة الإرهاب ومظاهر العنف والقتل والاعتداء على الحريات يجب أن يكون أكثر إقداماً في معالجة مسبباته ودوافعه وإفرازاته التي تأتي باستثمار واضحٍ من وكالات استخباراتية إسرائيلية ودولية.
إذ ما من شكٍ بأن تأخر استقلال فلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لهو المسبب الرئيس لكوارث المنطقة وتداعياتها الغريبة العجيبة وكأن حياة الاحتلال وبقائه واستمراره أهم من حياة الشعب العربي بدوله وعواصمه وثرواته وإمكانياته وأهم ممن يقعون ضحايا التطرف والعنف والتقهقر!
إن صمت الدول المذكورة ومباركتها الدائمة للاحتلال الاسرائيلي يراه البعض بمثابة الإصرار على القول: الحياة لإسرائيل والموت لجيرانها ومن يكتوي بنارهم!
من يدّعي مكافحته للإرهاب ويتغّنى بديمقراطية المحتل الزائفة ويطّبل لديمقراطيته هو، لهو وفي رأي الكثيرين المتواطئ الأول مع الاحتلال الإسرائيلي والمبارك لنزعاته الاستعمارية من مستوطناتٍ وجدرٍ وحواجز وحصار ومصادرة للعدل والحقوق.
لقد قرر مجلس الأمن مؤخراً إبقاء فلسطين تحت الاحتلال بمباركة ذات الدول التي تسابق الجميع بالشكوى من التطرف والإرهاب.
فإلى متى سيبقى من يساهم في التغاضي عن الضرب هو ذاته المتسابق الأول نحو الشكوى والأنين!؟ أم أن مصالح البعض أكبر وأهم من حياة الناس؟ كل الناس!