ملاك تحاكم إسرائيل - عمر حلمي الغول
ملاك الخطيب، طفلة لم تتجاوز الاربعة عشر عاما، تقيم مع عائلتها في قرية بتين. مازالت تخطو خطواتها الاولى نحو الحياة، تحلم كاطفال العالم ببيت آمن، وملاعب وحدائق تلهو بها مع ابناء جيلها في مدرستها وقريتها.. غير انها إصطدمت بواقع يلفه الحزن والالم والحصار والمستوطنات تطوق مدرستها وقريتها من كل حدب وصوب، جنازات الاطفال والشباب والنساء والشيوخ من ابناء جلدتها .. اجبرها الاحتلال الاسرائيلي إسوة بكل اطفال فلسطين، ان تلقي خلفها ألعاب الطفولة، العروس والعريس، وبيت بيوت وغيرها. وعيها االجنيني صقله تمسك والديها بالهوية الوطنية، والطموح لبلوغ حلم الدولة، وتحية العلم الصباحية في المدرسة، وإحياء المناسبات الوطنية، والقهر الاحتلالي المتواصل لها ولابناء شعبها، وحروب الموت في القدس والمسجد الاقصى وغزة وعلى طول الارض الفلسطينية المحتلة ..
غيوم سوداء أغلقت الفضاء امام عيونها.. حتى عصافير الصباح باتت ترتجف من لعنة الموت والمجزرة الاسرائيلية .. ملاك الطفلة، شاءت ان تفتح بصيصا من امل لشعبها، فحملت حجارتها الصغير في شنطتها، وخرجت مع زميلاتها وزملاءها وابناء شعبها لتعلن رفضها للاحتلال الاسرائيلي البشع، وتطالب بالدولة المستقلة والعودة للاجئين لديارهم .. والقت حجارتها على دبابات وجنود القتل الاسرائيليين.
لم تفعل شيئا إستثنائيا ... قام جنود دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية باختطافها وهي في الطريق لمدرستها، حققوا معها في احد مراكز الاعتقال في المستعمرة المجاورة، امروها بخلع زيها المدرسي. منعوا ابويها من الوصول اليها او اي من اخوتها او معارفها كشكل من اشكال الارهاب على طفولتها البريئة، ولقهر إرادتها اليافعة. لكن ملاك كانت اقوى واعظم من عنصرية ووحشية إسرائيل. هزمت الجلاد والمحقق والقاضي، الذي حكم عليها بالاعتقال شهرين وغرامة (6000) شيقل.تمثل موقفها بالشجاعة والارادة الفولاذية عندما وقفت امام القاضي الجلاد الاسرائيلي وهي مكبلة القدميين، وسألها عما نسب لها من "تهم" بالقاء الحجارة ووجود سكين في شنطتها، ردت عليه بكل جرأة واباء تليق بطفلة فلسطينية ألقت ثوب الطفولة وراء ظهرها، ولبست ثوب المرأة المكافحة حارسة فصول رواية الشعب، نعم القيت الحجارة وحملت سكينا للدفاع عن نفسي وشعبي..
هذه الطفولة الوطنية، التي ترعرعت بين الموت والحياة.. وسط جحيم المستعمرات الصهيونية ووحشية قطعان المستعمرين وقادة جيش الموت الاسرائيلي. هذه ملاك الخطيب الطفلة النابتة بين شقائق النعمان والحنون واشتال الزعتر واشجار الزيتون وكروم العنب والتين، تعلن ولاءها لفلسطينها، وتعمد إنتماءها لهويتها الوطنية بحجارة بتين.
ملاك ليست الطفلة الاولى، التي تعتزل سنوات طفولتها بقرار ذاتي. سبقها عشرات ومئات الاف من الاطفال الفلسطينيين في الوطن والشتات، وكأن الرواية الوطنية تنغرس في اللاوعي الطفولي، او كأن اطفال فلسطين يرضعون مع حليب امهاتهم فصول الرواية الفلسطينية، وها هي ملاك تعيد إنتاج قصص اطفال الاربيجي في الرشيدة والبص وبرج الشمالي وابو الاسود في مخيمات جنوب لبنان، لتقول لقادة دولة التطهير العرقي: هذه ارضي انا .. وارض ابائي واجدادي .. ارض كنعان الاول، وانتم غزاة محتلون، مصيركم جهنم وبئس المصير ..
ستبقى ملاك الطفلة وعدا للبقاء ومواصلة مشوار الكفاح .. ستبقى نبراسا للطفولة الفلسطينية الواعدة حاملة راية الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة.