مصر وحماس - علي إبراهيم
ردة الفعل من جانب حماس، وبعض التنظيمات المتحالفة، تستحق التأمل بعد قرار محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة اعتبار كتائب القسام التي تعترف حركة حماس بأنها جناحها العسكري حركة إرهابية، فهو في النهاية قرار محكمة بناء على دعوى من أحد المواطنين ويمكن الاستئناف والطعن فيه، كما يحدث يوميا في إجراءات التقاضي بمصر، فهو ليس قرارا صادرا من سلطة تنفيذية أو سياسية، وإن كانت الدولة في النهاية مضطرة لتنفيذ قرارات القضاء. ولا يعتقد أن قرار المحكمة سيؤثر كثيرا على وضعية القسام أو حماس على الأرض، أو حتى أنهما تستطيعان خوض معركة قانونية ضده؛ فالقسام في النهاية تنظيم سري يظهر أعضاؤه في الصور مقنعين، وحماس، الجناح السياسي، تضطر في أحيان كثيرة إلى إنكار صلتها به، خاصة إذا كانت هناك تفجيرات أو أعمال ضد مدنيين، وكثير من الدول الغربية تصنف القسام أو حماس منظمة إرهابية، ومع ذلك تتفاوض معها من تحت الطاولة. إذن ما الذي أزعج حماس بهذا الشكل من قرار المحكمة المصرية؟ الإجابة هي الضربة المعنوية التي تلقتها من دولة عربية تعد أكبر نصير فعلي وليس كلاما فقط للقضية الفلسطينية، وهو قرار جاء من محكمة بناء على دعوى عادية وليس بقرار رسمي من السلطات الحكومية، وهذا له مدلولات سياسية وشعبية كثيرة. فلا يخفى أن الجانب الرسمي المصري كان في العقود الأخيرة على خلاف مع الحركة بسبب الانقسام الذي سببته في الصف الفلسطيني وأساليبها التي أضرت عمليا بالمصالح الفلسطينية، خاصة عندما كان الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات يفاوض رابين، وبعده رؤساء حكومات إسرائيليين آخرين تحت رعاية أميركية مباشرة، وكانت حماس والكتائب التابعة لها القسام تنفذ تفجيرات انتحارية متواصلة، وكانت طبيعة الأهداف المستهدفة لا توحي بأي قيمة عسكرية لها، فمعظمها مقاهٍ ومطاعم وباصات أو مصالح مدنية. لكن دائما كان التعاطف مع القضية العادلة للشعب الفلسطيني في الحصول على دولته وإنهاء الاحتلال يضع حدودا للاختلاف، فحتى عندما حرضت حركة حماس في الفترة الأخيرة لعهد مبارك على اقتحام الحدود المصرية وعبر عشرات الآلاف، لعدة أيام، وكأن حل القضية يمر عبر الأراضي المصرية، جرى التعامل مع ذلك بضبط نفس شديد، رغم الإشارات الخطرة لنوايا حماس وقتها، كما جرى التغاضي عن عشرات الأنفاق التي كانت تمر تحت خط الحدود، رغم ما فيها من انتهاك للسيادة ومخاطر أمنية في ضوء عمليات التهريب التي كانت تجري. كان واضحا وقتها، وظهر أيام حكم الإخوان في مصر أن ما تريده حماس في سيناء أو في شريط منها هو وضع أشبه بحزب الله في جنوب لبنان تستطيع أن تتحرك فيه بعيدا عن الشريط الضيق جغرافيًا المحاصرة فيه في غزة، بمعنى آخر الهروب إلى الوراء على حساب آخرين من أجل ترسيخ وضعها كحاكم سياسي في غزة ضد السلطة الفلسطينية، لكن باعتبار أنه لا يوجد في تقاليد الدولة المصرية شعبيا ورسميا ما يسمح بظهور أي منافس لها على أراضيها في حمل السلاح أو السيادة، كان لا بد أن يحدث الصدام على المستويين، خاصة بعدما جرت الإطاحة بحكم الإخوان، واتخذت قيادات حماس مواقف مؤيدة لهم. المشكلة الحقيقية ليست في القسام أو حكم قضائي ضدها، المشكلة في حماس نفسها وآيديولوجيتها ووجودها في غزة، فهي ليست فقط مصدر تهديد أمني، لكنها أيضا معوق للقضية الفلسطينية، وإلا لماذا لم تسمح لحكومة الوفاق الفلسطينية بأن تعمل حتى الآن من غزة، ولماذا لم تسمح للسلطة الفلسطينية بأن تتولى مسؤولية المعابر حتى تنظم حركة السفر والبضائع، ولماذا هي دائما تبحث عن داعمين خارجيين تتحول إلى أداة لتنفيذ مصالحهم بينما رام الله أقرب لها.